أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةوباء الكورونا

أوميكرون جديد آخذ بالشيوع على الرغم من البداية المتأخرة

قد تطيل سلالة BA-2 المدَّ الأخير، لكن تأثيرها الكلي غير واضح

في 7 ديسمبر 2021 مع بدء متحور أوميكرون من جائحة Pandemic فيروس كورونا Coronavirus بمهاجمة العالم اكتشف العلماء رسمياً سلالة قريبة له. اختلف BA.2 بنحو 40 طفرة Mutation عن سلالة أوميكرون الأصلية BA.1، لكنه تسبَّب في حالات قليلة جداً من كوفيد -19 بحيث بدا عرضاً جانبياً مقارنة بنظيره المستعر.

إذ يتذكر مارك زيلر Mark Zeller  عالم الوباء الجيني Genomic epidemiologist  من مركز سكريبس للأبحاث Scripps Research Center  قائلا: “اعتقدت أن BA.1 هو المسيطر، وأننا لن نسمع عن  BA.2 مرة أخرى”، ويتابع قائلا إنه بعد مرور خمسة أسابيع ” صار من الواضح أن الحال لم تكن كذلك….إنني متأكد أن BA.2 منتشر في كل مكان في العالم، وأنه سيجتاح معظم الدول إن لم يكن كلها، وسيكون قريباً المتحوَر السائد فيها”.

يحاول زيلر وعلماء آخرون الآن أن يفسَروا سبب انتشار BA.2 السريع، وما سيعنيه ظهوره بالنسبة إلى مدّ الأوميكرون والجائحة عموماً. فقد أوضح تقرير نشر ببريطانيا في فبراير 2022، واستبيان أسرة Household survey من الدانمارك صدر هذا الأسبوع كنشرة أولية- أن BA.2 أساسا أسرع انتقالاً من BA.1، مما ترك العلماء  يتساءلون عن أيٍّ من الطفرات بعينها هي التي تمنح هذه الميَزة.

ولكن حتى الآن لا يبدو أن BA.2  يجعل الناس أشد مرضاً من BA.1، وهذا بدوره أقل خطورة من متحورات مثل دلتا Delta  وبيتا Beta. ففي الدانمارك حيث سجَلBA.2  بحلول 21 يناير 65%  من حالات كوفيد-19 الجديدة “نرى تناقصاً حاداَ ومستمراً في عدد المرضى الذين يحتاجون إلى الدخول لوحدات العناية المركّزة… ونرى الآن تناقصاً في أعداد الدخول إلى المستشفيات المرتبطة بسارس-كوف-2 ( SARS-CoV-2)”، كما يقول تيرا غروف كراوس Tyra Grove Krause عالم الأوبئة المعدية من وكالة الصحة العامة في الدانمارك. في الحقيقة، فإن الحكومة الدانماركية واثقة من أن المتحور لن يسبب اضطراباً كبيراً، لدرجة أنها رفعت تقريبا جميع قيود الجائحة الاحترازية في 1 فبراير.  ولكن بعض العلماء ما زالوا يتنبؤون بأن BA.2 سيطيل من تأثير أوميكرون. ففي 28 يناير غرَّد (على تويتر) تريفور بدفورد Trevor Bedford عالم البيولوجيا الحوسبية Computational biologist من مركز فريد هاتشنسون لأبحاث السرطان Fred Hutchinson Cancer Research Center: “أظن أننا سنرى BA.2 يولّد أثراً أطول كثيراً لانتشار أوميكرون مما لو بقي على شكلBA.1 ، لكنه لن يرفع مستوى الوباء إلى ذلك الذي شاهدناه مع أوميكرون في يناير”. ففي جنوب إفريقيا ربما أبطأ BA.2 بالفعل الانخفاض السريع في الإصابات الجديدة المسجَّلة بعد أن وصلت موجة أوميكرون في هذا البلد إلى الذروة في ديسمبر 2021.

على الرغم من أن BA.2 مثَّل أقل من 4% من جميع إصابات أوميكرون  في أهم قواعد بيانات الفيروسات العالمية منذ 30 يناير، إلا أنه تم تحديده في 57 بلداً، إذ تعود أولى الحالات الموثقة إلى 17 نوفمبر في جنوب إفريقيا. ومن المحتمل أنه السائد الآن في الهند وفقا لبيجايا داكال  Bijaya Dhakal عالم البيولوجيا الجزيئية من مختبر سونيك رفرانس Sonic Reference Laboratory في أوستن بتكساس، والذي درس متوالية من البيانات حُمِّلت على قاعدة البيانات من ثماني ولايات هندية كبيرة. وفي المملكة المتحدة تضاعفت نسبة حالات BA.2 المحتملة من 2.2% إلى 4.4% في الأيام السبعة التي انتهت في 24 يناير.

أما في الولايات المتحدة، فإن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منهاCenter for Disease Control and Prevention لم تتتبع حتى الآنBA.2  بشكل منفصل. غير أن بدفورد يقدَر أنها تعادل 7% من الحالات الجديدة في الولايات المتحدة منذ 30 يناير، بارتفاع من 0.7% في 19 يناير. ويقول: “في كل بلد وعبر الزمن، نرى أن معدل نمو فاشية Epidemic growth rate أوميكرون BA.2 أعلى من BA.1”.

هذا، ويؤيد التقرير الصادر في بداية فبراير 2022  عن وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة UK Health Security Agency (اختصارا: الوكالة UKHSA) هذا التقييم في إنجلترا، إذ وجد التقرير أن BA.2 ينتشر أسرع من BA.1 في جميع المناطق التي تتوفر فيها بيانات لإجراء مثل هذا التقييم. وتظهر بيانات الوكالة UKHSA أيضاً أنه من أواخر ديسمبر 2021 وأوائل يناير 2022 كان انتقال العدوى أعلى بين أفراد الأسرة الواحدة عند الإصابة بأوميكرون BA.2 -بنسبة 13.4%، وذلك مقارنة بالعدوى بسبب الاتصال بحالات أوميكرون أخرى ( 10.3 %).

الدراسة من الدانمارك -التي تسلسل الفيروس تقريبا من كل شخص يصاب بكوفيد -19- ترسم صورة أشد وضوحا. ففي الأسر التي كانت الإصابة الأولى فيها هي بأوميكرونBA.1 ، أصيب ما متوسطه 29% من الأفراد الآخرين في الأسرة أيضا. وعندما كانت الإصابة بأوميكرون BA.2، أصيب 38% من الأفراد الآخرين في الأسرة.

وكان من المعروف أن لأوميكرون طفرات تساعده على تجنب الأجسام المُضادَّة Antibodies. ولكن الباحثين الدانماركيين وجدوا أيضاً أن BA.2 قد يكون أقوى في التهرب من المناعة المكتسبة باللقاح: كان احتمال إصابة الأشخاص الذين تلقوا اللقاح والجرعة التنشيطية بأوميكروونBA.2  و BA.1أعلى بثلاثة أضعاف. أما الملقحون الذين لم يتلقوا الجرعة التنشيطية كان احتمال إصابتهم يعادل 2.5 ضعفا، في حين أن احتمال نسبة إصابة غير الملقحين هي 2.2 ضعفا. غير أن  بيانات مبكرة من المملكة المتحدة أظهرت أن من تلقوا اللقاح والجرعة التنشيطية سيكون لديهم المستوى نفسه من الحماية ضد الإصابات بأعراض أوميكرون BA.1 أو BA.2 – 63% و70 % على التوالي .

في أحد الاكتشافات المشجِّعة -وغير المتوقعة- من الدانمارك فإن أولئك الذين حصلوا على اللقاح أو اللقاح والجرعة التنشيطية كان نقلهم لعدوى BA.2 إلى آخرين في الأسرة أقل مقارنة بالمصابين بعدوى BA.1.  ولا ينطبق الأمر نفسه على غير الملقحين، إذ نقلوا العدوى BA.2 إلى المتواصلين معهم في الأسرة بمعدل 2.6 ضعف من معدل نقل عدوى BA.1

و كما تساءل العلماء منذ عدة أسابيع عمَّا إذا كانت العدوى المسبقة بمتحور دلتا Delta أو متحور آخر سيحمي الناس من أوميكرون عموماً، وينظر البعض منهم الآن في البيانات بحثا عن معلومات حول ما إذا كانت الموجة الأولى من أوميكرون قد خلقت درعاً واقيةً ضد BA.2. فمثلا يتساءل زبلر: “إلى أي مدى تحمي الإصابة بأوميكرون BA.1 من الإصابة مرة أخرى بأوميكرونBA.2  ؟ مما شاهدته في الدانمارك لن تكون بنسبة 100%”.

يفحص العلماء أيضاً قدرة المتحور على تجنب الأجسام المضادة المُحفَّزة بالتلقيح في الدراسات المختبرية. وتختبر شركة غلاكسوسميث كلاين  GlaxoSmithKlineالمصنعة للأدوية الأجسامَ المضادة الأحادية النسيلة monoclonal الخاص بها -سوتروفيماب Sotrovimab، المُصنَّع بتقنية بيولوجية فيروسية- ضد BA.2 في دراسات مخبرية. فهذا هو الجسم المضاد الوحيد المرخَص ضد أوميكرون BA.1.

ويشير العلماء إلى أن أوميكرون BA.1 وBA.2  متباعدان على الشجرة التطورية بقدر تباعد المتحورات الأبكر موضع الاهتمام – ألفا وبيتا وغاما – من بعضها البعض ( انظر: الرسم البياني). ويعتقد البعض أنه يجب عدم اعتبارBA.2  أوميكروناً. فمثلا يقول زيلر: “آمل في المستقبل القريب بأن يحصلBA.2  على تسميته الخاصة كمتحور لأن الناس يفترضون أنه شبيه جداً بالمتحور الآخر، إلا أنه ليس كذلك”.

إنBA.2  لا يمتلك جميع الطفرات التي تساعدBA.1  على التهرب من أن يكتشفها جهز المناعة، لكنه يمتلك أشياء لا يمتلكها شقيقه. فيشير ثوماس بيكوك Thomas Peacock ، عالم الفيروسات virologist في جامعة إمبريال كوليدج لندن Imperial College ، إلى أن معظم الاختلافات تقع في منطقة البروتين الشوكي Spike protein ، وهو ما يطلق عليه مجال الطرف-إنN-terminal domain  (اختصارا: المجال NTD) والذي يحتوي على أهداف الأجسام المضادة. وتقول إيما هودكروفت Hodcroft Emma عالمة الأوبئة الجزيئية من جامعة بيرن University of Bern : “ما لا نعرفه هو: فقط لمجرد وجود تغيرات، هل تعني هذه التغيرات شيئاً حقاً؟”.

لكن هناك فارقاً في المجال NTD واحد – حذف الحمضين الأمينين 69 و70 الموجودين في BA.1 وغير الموجودين  في BA.2 – يمكن أن يعطي الباحثين وسيلة لتتبع انتشار سلالات الأوميكرون الناشئة والمستقبلية. إذ تكشف بعض اختبارات تفاعل البوليمريز المتسلسل لسارس كوف 2 عن ثلاث متسلسلات جينية للفيروس، لكن الطفرة في الجين NTD للمتحور BA.1 يلغي أحد تلك الأهداف. فاختبارات البوليمريز المتسلسل يلتقط الأهداف الثلاثة جميعها في المتحور BA.1، مما يوفر طريقة لتمييز سلالات الأوميكرون إذا لم يتوفر سلسلة كاملة للفيروس.

كما أن كيفية ولادة السلالات الشقيقة تشتغل تفكير العلماء أيضاً. إحدى النظريات تقول بتطور الفيروسات في مريض منقوص المناعة Immunocompromised. إذ  يقول آندرو رامباوت Andrew Rambaut    عالم بيولوجيا التطورية في جامعة أدنبرة University of Edinburgh: “من المحتمل أن الإصابة على المدى الطويل يمكن أن تولد قدرا كبيرا من التنوع ضمن فرد واحد. ويمكن أن تحتجز في مناطق مختلفة من الجسم. لذا تعيش متحورات متباينة في أجزاء مختلفة من الجسم”. يمكن أن تكون سلالتا أوميكرون قد تطورتا في حيوانات أصيبت بسارس كوف  مطوًر بشرياً،  ثم عاد الفيروس لينتشر بين البشر.

لماذا ظهر المتحور BA.2 الآن فقط؟ لا يزال هذا سرًّا آخر، كما تقول هودغروفت.  وتخمن أن عاملاً بسيطاً مثل: أي أوميكرون خرج من جنوب إفريقيا أولاً – حيث تم التعرف على السلالتين لأول مرة – قد يكون هو التفسير. ربما حُصر المتحور BA.2 لفترة أطول قليلاً. ولكنه عندما خرج في النهاية وبدأ بالانتشار، بدأ واضحا أن بإمكانه إزاحة شقيقه الأكبر.

©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

بقلم: ميريدث وادمان

ترجمة: د. سعد الدين خرفان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى