أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أركيولوجيا

بماذا تخبرنا المراحل الأولى الغامضة لكوكب الأرض عن أصل الحياة

إن إعادة ترتيب الجدول الزمني الجيولوجي لأول بليون سنة على كوكب الأرض يُلقي ضوءاً جديداً على ما إذا كانت الحياة على سطح الأرض نشأت على اليابسة أم في المحيطات

يبلغ عمر كوكب الأرض 4.5 بليون سنة؛ وقد تشكل في الوقت نفسه الذي تشكلت فيه الشمس والكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية، عندما اصطدمت آلاف الصخور الكبيرة والصغيرة ببعضها البعض واندمجت سوياً. بعد ذلك جاءت ضربة أكثر قوة. فقد ضرب كوكب أصغر حجماً الأرض بقوة هائلة؛ مما أدى إلى ذوبان سطح عالمنا بكامله، وانفجرت كميات هائلة من المادة في الفضاء، مما أسفر في النهاية عن تكوين قمرنا. كل هذا يفسر لما يطلق على أول 500 مليون سنة في عمر الأرض باسم الدهر الجهنمي (هاديان) Hadean aeon، نسبة إلى أسطورة العالم السفلي اليونانية. لكن في النهاية، برد البحر الشاسع المكون من الماغما (الحمم) Magma وتصلب في شكل صخور. وتكونت المحيطات. وبزغت مساحات اليابسة.

لكن ما زال هذا الكوكب الناشئ مختلفاً اختلافا شديدا على ما هو عليه حاليا. لم يكن هناك أكسجين في الهواء، فذابت كميات كبيرة من الحديد المعدني في الماء؛ مما أسفر عن صبغة المحيطات باللون الأخضر. وعلى الأرجح ارتفع مستوى الميثان في الغلاف الجوي بنسبة تكفي لتلوين السماء باللون البرتقالي. وأي ياسبة ستكون صخورها قاحلة، يسود على معظمها اللون الأسود والرمادي الداكن.

لطالما كان أمر ظهور التضاريس الطبيعية الأخرى على سطح الأرض وتكوينها لغزاً محيراً؛ متى ظهرت المحيطات؟ كم كان عمقها؟ هل وجدت دوماً يابسة مكشوفة فوق الأمواج؟ أم أن الكوكب في يوم ما كان عالماً مائياً فقط؟ لكن الآن بدأت تتشكل لدينا صورة بتفاصيل عامة. وهي لا تكشف فقط عن مفاجئات حول كيفية تكون كوكبنا. ففهم متى اكتسبت الأرض أراضٍ يابسة للمرة الأولى سيشكِّل الأفكار حول كيفية نشوء الحياة. تتطلب بعض السيناريوهات حول أصل الأرض وجودَ أسطح مكشوفة، لكنها قد تكون غير صحيحة إذا كان كل شيء مغموراً بالماء. لذلك، فإن التساؤل حول أول يابسة على سطح الأرض هو سؤال عن أصل كل الكائنات الحية.

هناك العديد من الفرضيات حول أصل الحياة تبلغ في عددها عدد المرات التي فكر فيها العلماء بهذا الشأن. تفترض إحدى الأفكار التي تمت مناقشتها كثيراً أن الحياة بدأت في منافث قلوية Alkaline vents في قاع البحر، حيث تتدفق المياه الدافئة الغنية بالكيمياويات من أعماق الأرض إلى المحيط. ويتناسب هذا مع الدليل العلمي على أن الكائنات الحية الدقيقة الأولية كانت تتغذى بالطاقة الكيميائية. لكن العديد من الكيميائيين يشككون في أن اللبنات الأساسية للحياة، بما في ذلك الأحماض الأمينية والأحماض النووية، يمكن أن تتشكل في مثل هذه الأماكن. ترى مدرسة فكرية أخرى أن الحياة نشأت على الأرض داخل بركة أو بحيرة. وقد كشفت التجارب عن أن العديد من الجزيئات الحيوية الرئيسية يمكن أن تتشكل في مثل هذه الظروف، مُحفَّزة غالباً بدورات من الرطوبة والجفاف. ومع ذك يقول المنتقدون إن التفاعلات الكيميائية المستخدمة في هذه الدراسات تشكِّل مشكلة في حد ذاتها؛ لإنها غالبا ما تتطلب وجود مواد شديدة التفاعل تقتل الكائنات الحية. إضافة إلى ذلك، يجادل مؤيدو فرضية Vent hypothesis أحيانا بعدم صحة فرضية البركة Pool hypothesis؛ لأنه لم تكن هناك يابسة جافة على الأرض الفتية. ولكن، فإن ذلك كله يعتمد على وقت نشوء الحياة، وهو ما زال أمراً مثيراً للجدل.
تزداد ثغرات السجل الجيولوجي أكثر كلما عدت إلى وقت أبكر من التاريخ. فلا توجد صخور محفوظة من الدهر الجهنمي وهناك القليل جداً من الدهر التالي، أي الدهر السحيق Archean Eon الذي استمر ما بين 4 بلايين إلى 2.5 بليون سنة مضت. ومع ذلك، هناك أدلة مؤكَّدة على وجود كائنات دقيقة قبل 3.5 بليون سنة محفوظة في صخور بيلْبَرا PiIbara بأستراليا. في عام 2017، ذكر مجموعة من الباحثين بقيادة مارتن فان كرانيندونك Martin Van Kranendonk، من جامعة نيو ساوث ويلز New South Wales في سيدني بأستراليا، أن هذه الميكروبات عاشت في وحول الينابيع الساخنة على سطح الأرض وحولها. ولا يتفق الجميع مع هذا التفسير، ولكن هناك دليل لا جدال فيه على وجود ميكروبات على الأرض قبل 3.2 سنة. ويأتي هذا الدليل من صخور من جنوب إفريقيا حفظت سجل بيئة مصب نهر، بكثبان رملية تذروها الرياح.
ومع ذلك، لا تزال لدينا فجوة زمنية لا تقل عن بليون سنة منذ أن تشكلت الأرض. نظرياً، من الممكن أن الحياة قد نشأت في محيط يمتد حول العالم قبل 4 بلايين سنة. وبالتأكيد لدينا الكثير من المزاعم حول الأدلة المبكرة على الحياة. ويقول مؤيدو هذا الرأي إنه إذا كان الأمر كذلك، فمتى ما ظهرت اليابسة للمرة الأولى، فإن الحياة استعمرتها على الفور منتقلة إليها من البحر. ولكن من الممكن أيضاً أن اليابسة تشكلت في وقت أبكر من 3.5 بليون سنة مضت، وأن الحياة قد نشأت عليها وليس في محيط بدائي Primordial ocean.

لكن السجل الجيولوجي الممتلئ بالثغرات يجعل من اختبار هذه الأفكار المتعارضة أمراً صعباً. حتى وقت قريب نسبياً، شاع الاعتقاد بأن محيط ماغما الدهر الجهنمي قد استمر لوقت طويل، تقريبا 500 مليون سنة. ولكن دراستين نشرتا في 2001، شككتا في هذا الرأي. وحلّلت الدراستان معدن الزركون Zircons وهو عبارة عن بلورات صغيرة تتشكل في أنواع معينة من الصخور المنصهرة، ويحمل تركبيه الكيميائي أدلة حول البيئة التي تشكل فيها. فحص الباحثون الزركون من جاك هيلز Jack Hill بأستراليا، والتي بلغ عمر بعضها 4.3 بليون سنة. وكانت بلورة واحدة أقدم، بلغ عمرها 4.4 بليون سنة. مع ذلك، كان لكل منها مزيج مميز يتكون من أنواع مختلفة من ذرات الأكسجين، مما يشير إلى أن الصخور التي تشكلت منها كانت تتفاعل مع المياه السائلة. كما أشارت التحليلات اللاحقة إلى أن محيطات الأرض المتكونة من الماغما كانت قد تجمدت قبل 4.4 بليون سنة؛ لذا يبدو أن الدهر الجهنمي لم يكن جهنمياً كما اعتقد سابقاً.
ومن دراسات الزركون، تم الاستدلال على أن الأرض احتوت على محيطات قبل 4.4 بليون سنة، أي نحو 100 مليون سنة فقط بعد تشكل الكوكب. يقول فان كارنيندونك “إن هذا الادعاء غير مبرر: إذ يبدو أنه كان هناك تفاعل بين الصخور والماء، ولكن هناك ماء في الماغما طوال الوقت، وهذا ليس بالأمر غير المعتاد. ولا يعني هذا بالضرورة أنها محيطات”. ويظن فان أن الأرض الفتية كانت لا تزال ساخنة جداً؛ لذلك بدلاً من محيطات الماء السائل، كان هناك الكثير من البخار وبخار الماء في الهواء. ومع ذلك، يبدو أن المحيطات ظهرت أبكر مما كنا نعتقد. فالزركون يظهر تحولات في أنواع من ذرات الأكسجين قبل نحو 4.2 بليون سنة. وطبقاً لفان كرانيندونك، هذا ما إشارة على المحيطات الكبيرة.

عالم مائي
ليس من الواضح بعد مصدر كل هذه المياه. وتفترض إحدى الأفكار أن الصخور التي شكلت الأرض كانت تحتوي على المياه التي صعدت بعد ذلك إلى السطح. بدلا من ذلك، قد يكون الكوكب الوليد جافاً ولم تأته المياه سوى من المذنبات والكويكبات القادمة الساقطة عليه. الاحتمال الثالث هو أن تكون المياه قد جاءت
من الفضاء العميق وعلقت في جاذبية أرض. ويستمر الجدل، لكن ما هو واضح هو أن المياه وجدت بوفرة
على سطح الأرض منذ وقت باكر.
في 2021، حاول جونجي دونغ Junjie Dong وزملائه من جامعة هارفاردHarvard University الإجابة عن سؤال آخر: ما إذا كانت هذه المياه على شكل محيط سطحي أم جاءت من باطن الأرض. فجمعوا بيانات عن كمية المياه التي يمكن تخزينها في الصخور والتي وجدت في وشاح Mantle الأرض؛ الطبقة السميكة تحت القشرة Crust. اتضح أن صخور الوشاح الساخنة لا تستطيع حمل الكثير من المياه مقارنة بعندما تكون باردة. كان باطن الأرض في أسخن حالاته بعد تكونه مباشرة، لذلك لم يتمكن هذا الكوكب الفتي من تخزين المياه في باطنه كما هي الحال الآن. يستطيع وشاح الأرض اليوم استيعاب 2.3 ضعف كتلة المحيط، لكن في الدهر الجهنمي وبداية الدهر السحيق كان يستوعب على الأرجح 0.7 ضعفا فقط من كتلة المحيط. هذا يعني أن بعض من الماء الموجود حالياً في باطن الأرض لابد وأنه كان موجودا على سطح الكوكب عندما كانا فتيا. ويقدِّر دونغ أن حجم المحيط المبكر ربما كان أكبر بأربعة أضعاف حجمه اليوم.
“في الدهر الجهنمي، من المحمتل أن الأرض كلها كانت مغمورة بالماء، ولم تكن هناك يابسة أو كان هناك القليل جداً منها”، كما يقول دونغ. وإلى حد ما استمر هذا الوضع في الدهر السحيق. ويشير دونغ إلى أن غالبية الصخور المحفوظة من الدهر السحيق لا يبدو أن مصدرها من أرض يابسة. إذ يقول: “تشكَّل العديد من تلك الصخور تحت الماء”. ومع ذلك، فالقليل من اليابسة لا يعني عدم وجود أي يابسة. فميكروبات بيلبرا عاشت على اليابسة قبل 3.5 بليون سنة. وهناك دليل أقدم على اليابسة من منطقة حزام إيسوا غريينستون Isua Greenstone في جنوب غرب غرينلاند، والتي تحتوي على صخور تبلغ من العمر 3.7 بليون سنة، تشكلت معظمها تحت الماء، ولكن يبدو أن بعض الأجزاء هي بقايا مجموعات من جزر بركانية.

 

تكمن صعوبة الأمر في وجود عدد قليل جداً من الصخور من الدهر السحيق المبكر

 

تحتوي الصخور في حزام باربيرتون غريينستون Barberton greenstone في جنوب إفريقيا على ميكروبات تبلغ من العمر 3.2 بليون سنة. صورة: Instinctively RDH

تكمن صعوبة الأمر في وجود عدد قليل جداً من الصخور من الدهر السحيق المبكر، لذا إذا كانت اليابسة نادرة، فلا ينبغي لنا بالضرورة أن نتوقع العثور على أي صخور محفوظة. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة وجد الجيولوجيون أدلة أخرى. فأحد الأدلة ورد في دراسة نشرت في فبراير من قبل فريق من الباحثين بقيادة ديزيريه روردينك Desiree Roerdink من جامعة بيرغن Bergen في النرويج. إذ فحصوا صخورا تدعي باريت Barites وجدت في جنوب إفريقيا والهند وأستراليا، وقد شكلت هذه الصخور قبل 3.5 إلى 3.2 بليون سنة، أي في منتصف الدهر السحيق. تحتوي صخور الباريت على نوعين من عنصر السترونشيوم Strontium. يوجد أحد النوعين بوفرة في القشرة المحيطية، والآخر في القشرة القارية. وبقياس مقدار المادة المحفوظة في كل منهما، حدد الفريق ما إذا كانت البحار تتلقى رواسب Sediments نتيجة للتجوية بالعوامل الجوية الطبيعية كالرياح، ومن ثم ما إذا وجدت مساحات شاسعة من اليابسة.

أكتشف فريق روردينك أن التجوية الكيميائية لصخور الأرض أخذت في الازدياد تدريجيا ما بين 3.5 و3.2 بليون سنة مضت. واستقراءً من ذلك وبالعودة إلى الأزمنة السابقة، حسبوا تجوية اليابسة، ووجدوا أنها بدأت قبل نحو 3.7 بليون سنة. وتقول روردينك: “لا يمكننا القول إنه لم تكن هناك يابسة قبل 3.7 بليون سنة، ولكن نستطيع القول إنه منذ ذلك الحين تقريباً بدأت التجوية الأرضية تأثر تأثيرا هائلا في كيمياء المحيطات”.
يبدو هذا منطقياً في ضوء الأدلة الجديدة حول ما كان يحدث في قشرة الأرض الفتية في ذلك الوقت (انظر: ولادة الصفائح التكتونية). وعندما برد الكوكب، تشكَّلت القشرة على شكل صفائح كبيرة متحركة كتلك التي نراها اليوم. وإذا كانت تلك الصفائح التكتونية قد تدافعت واصطدمت ببعضها البعض قبل نحو 3.8 بليون سنة، فإن ذلك يفسر سبب اكتشاف فريق روردينك دليلاً على وجود مساحات من اليابسة بعد ذلك بوقت قصير، أي قبل نحو 3.7 بليون سنة.
قدر الباحثون أيضاً مقدار اليابسة اللازمة لحساب كمية التجوية التي اكتشفوها. تمثل اليابسة حالياً نحو 29 % من سطح الأرض، في حين كانت تتراوح نسبة اليابسة بين 2 إلى 12 % فقط قبل 3.5 بليون و3.2 بليون سنة. استغرق الأمر مئات ملايين السنين لتنمو هذه القارات المبكِّرة إلى ما يقرب من أحجامها الحديثة. ومن المحتمل أن تكون القارة العظمى الأولى نشأت قبل نحو 2.7 بليون سنة.

ظهور اليابسة
لا تزال هناك شكوك كبيرة، ولكن الدليل على وجود يابسة يعود إلى زمن بعيد جداً، يقول فان كارنيندونك: “حدسي يخبرني بأنها تشكلت قبل 3.7 بليون سنة، بل وربما قبل ذلك كانت هناك مساحات من اليابسة مكشوفة على سطح الأرض”.
كل هذا يشير إلى قصة من ثلاثة أجزاء عن تكوين الأرض. في وقت مبكر من الدهر الجهنمي، اكتسب الكوكب المنصهر غلافا جويا مشبعا بالبخار، وكان هناك القليل من المياه السطحية. بعد ذلك تشكلت المحيطات، وصارت الأرض كلها تقريباً مغمورة بالمياه. وأخيراً، منذ بدايات الدهر السحيق، بدأت الصفائح التكتونية بالتحرك، مما جعل الجزر المنفصلة تنضم إلى بعضها البعض تدريجياً مكونة مساحات يابسة أكبر.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى أصل الحياة؟ يبدو أن المحيطات الكبيرة تشكلت قبل نحو 4.2 بليون سنة، لذا إذا كانت الحياة قد نشأت في فوهة في أعماق المحيط فلابد أنها جاءت بعد ذلك. لكن إذا بدأت الحياة على اليابسة، فقد تكون قد ظهرت في وقت أبكر من ذلك، عندما بدأ الماء بالسقوط على سطح الأرض لأول مرة، أي قبل 4.4 بليون سنة. يقول فان كارنيندونك: “مع هطول الامطار من الغلاف الجوي، يكون لديك سطح الكوكب بكامله يعمل كمفاعل جيوكميائي”. بدلا من ذلك، قد تكون الحياة نشأت في وقت لاحق، على الجزر البركانية التي وجدت تقريباً قبل 3.7 بليون سنة أو قبل ذلك.
على الرغم من عدم مقدرتنا على تحديد وقت أو مكان نشأة الحياة، لدينا بالفعل صورة أفضل الآن عن الحياة المبكرة لكوكبنا. قد تبدو كل الصورة غريباً تماماً، فمن فقاعة من الماغما (الحمم المنصهرة) المشبعة بالبخار، إلى عالم مائي، إلى أرض الدهر السحيق ذات المحيطات الخضراء والسماء البرتقالية والصخور السوداء. لكن فان كرانيندونك لا يرى الأمر كذلك. ففي خلال بليون سنة، كان هناك الكثير من المظاهر المألوفة لنا: من المحيطات الشاسعة إلى مساحات اليابسة المليئة بالبراكين والينابيع الساخنة. ويقول: “من وجهة نظري، أشعر بأنني قادر على التعرف على الأرض المبكرة”.

ولادة الصفائح التكتونية
اليوم تنقسم القشرة الأرضية إلى العشرات من الصفائح التكتونية Tectonic plates الكبيرة والتي تتحرك بسرعات لا تدركها العين المجردة. على مدار ملايين السنين، غيرت الصفائح موقعها ونقلت القارات من مكان إلى آخر، عندما تتحرك الصفائح ضد بعضها البعض، قد يجبر إحداها على النزول أو “الاندساس” Subducted في الوشاحMantle. كانت الأرض الناشئة حديثاً شديدة الحرارة، فلم تتمكن القشرة Crust من التشكل في هيئة صفائح صلبة، تقول ناديا درابون Nadja Drabon من جامعة هارفارد: “ربما كان الوشاح ساخناً جداً والقشرة شديدة النشاط وإسفنجية جدا”. ما حدث تالياً هو محل نقاش كبير، يفترض أحد الاحتمالات أن الأرض طورت “غطاءً راكداً” Stagnant lid: فقد انقسمت القشرة إلى صفائح لكنها لم تندسّ قطُّ أو نادراً. وبدلا من ذلك، ربما تراكمت المادة على الجانب السفلي من القشرة، وتساقطت نحو الوشاح عندما صارت ثقيلة جداً، وهي عملية تسمى الاندساس الاستخفاض (الطرح) Sagduction.

تختلف تقديرات الوقت الذي بدأت فيه حركة الصفائح التكتونية “الحديثة” اختلافا كبيرا- ما بين 4 بلايين سنة مضت إلى أقل من بليون سنة. وتقول درابون: “هذا مدى ضخم من السنوات”. في دراسة نُشرت في أبريل 2022، حاولت هي وفريقها تحديد بداية حركة الصفائح. إذ درسوا التركيب الكيميائي للزركون في جنوب إفريقيا ما بين 3.3 بليون و4.1 بليون سنة مضت. إذ تحتوي المواد الكيميائية في هذه البلورات الصغيرة على أدلة حول الصخور التي تشكلت فيها، ووجد الفريق دليلاً على حدوث تحوُّل هائل قبل نحو 3.8 بليون سنة. وتشكل الزركون الأقدم عمراً في قشرة عمرها طويل جداً، مما يشير إلى حدوث القليل من الاندساس أو عدم حدوثه على الإطلاق. بينما حمل الزركون الأحدث أدلة على وجود قشرة قصيرة العمر، مما يشير إلى حركة الصفائح التكتونية وإعادة تدويرها. قد يكون هذا اندساساً حقيقياً أو لا يكون، لكن درابون تسميه: “الخطوة الأولى نحو النظام بين يدينا اليوم”.
وعثر باحثون آخرون على أدلة لا شك فيها على الاندساس، ولكن في وقت لاحق، أي قبل نحو 3.2 بليون أو 3 بلايين سنة. وقد تكون هناك حالات فردية للاندساس، ونشاط آخر يشبه النشاطات الحديثة كان يحدث في وقت مبكر، ربما نتج من اصطدامات الكويكبات، وربما لم تتأسس حركة الصفائح التكتونية المتنقلة حول العالم إلا في وقت لاحق.

 

بقلم مايكل مارشال

ترجمة إسراء دياب

© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى