ما تأثير الإغلاق في جهاز طفلك المناعي؟
بدأ العلماءُ يدركون التأثير الفعلي للتباعد الاجتماعي أثناء عمليات الإغلاق التي سبّبها كوفيد-19 في مناعة الأطفال واليافعين
إنّه سؤالٌ يتردد كثيراً إلى أذهان العديد من الآباء ومقدمي الرعاية للرضّع الذين ولدوا في الأعوام الأولى من جائحة Pandemic كوفيد19-: هل كان للإغلاق والتباعد الاجتماعي تأثيرٌ طويل الأمد في صحة الأطفال؟ الخبر السار هو أنّ ما يدعم هذه المخاوف إلى حدٍ كبيرٍ هو سوء فهمٍ لكيفية تشكّل الجهاز المناعي في الأعوام الأولى من حياتنا.
من الواضح أن تدابير الصحة العامة لمواجهة الجائحة كانتْ ذات تأثيرٍ في تعرّض الأطفال للبكتيريا Bacteria والفيروسات Virus التي تُسبب المرض. عندما وضِعَتْ قواعدُ التباعد الاجتماعي الصارمةُ موضعَ التنفيذ، انخفضَتْ القدرة على انتشار العدوى انخفاضاً هائلاً.
وجد تحليلٌ للبيانات من جميع أنحاء إنكلترا أن عدد الأطفال الأصغر من 15 عاماً الذين أُدْخِلوا المستشفى بسبب الإنفلونزا بين مارس 2020 ويونيو 2021 انخفض بنسبة 94%. فلم تكن الإنفلونزا هي المتأثرة الوحيدة: إذ وجد التحليلُ انخفاضاً في دخول الأطفال إلى المستشفى في 18 عدوى من أصل 19 جرى فحصها، بما في ذلك النكاف Mump والحصبة Measle والخانوق Croup والتهاب اللوزتين Tonsillitis والتهاب الشعب الهوائية Bronchiolitis. يترك هذا أطفال فترة الإغلاق في وضعٍ مختلفٍ عن الرضّع العاديين. فعلى سبيل المثال، عادةً ما يكون 90% من أطفال المملكة المتحدة قد أُصيبوا بعدوى ما حين يبلغون عامهم الأول، لكن تحليلاً للأطفال المولودين في أول إغلاقٍ في أيرلندا وجد أن أكثر من نصف الأطفال الذين بلغوا عمر 12 شهراً لم يُصابوا بأي عدوى في عامهم الأول.
عداوى أقل
لحسن الحظ، لسنا بحاجةٍ في الواقع إلى أن نُصابَ بالمرض حين نكون صغاراً جداً. من المرجح أن تؤدي عدوى مثل الإنفلونزا في الأطفال الصغار إلى مضاعفاتٍ خطيرةٍ، مثل الالتهاب الرئوي Pneumonia، بصورةٍ خاصةٍ في أولئك الذين تقل أعمارهم عن عامين. يقول نيكولاوس بابادوبولوس Nikolaos Papadopoulos من جامعة مانشستر University of Manchester في المملكة المتحدة: «إذا كان بإمكانك تجنب المرض، فمن الأفضل أن تتجنبه». في الأشهر الأخيرة، عانى النصف الشمالي من الكرة الأرضية شتاءً عصيباً من ناحية الإصابات بالعدوى الموسمية، بما في ذلك بين الأطفال. إنّ انخفاض مناعة السكان مسؤولٌ جزئياً عن ارتفاع مستويات الأمراض التي تسببها كائناتٌ ممرضةٌ Pathogens مثل فيروس الإنفلونزا والفَيْروس المِخْلَوِيّ التَّنَفُّسِيّ RSV: إذ إنّه نظراً لوجود عددٍ أقل من حالات الإصابة بهذه الأمراض في فترة تدابير الإغلاق الصارمة التي اتُبِعَتْ لمواجهة كوفيد-19، فإن الأعداد صارتْ تعوِّض الآن. فهذا ليس علامةً على ضعف أجهزة مناعة الأطفال بسبب عمليات الإغلاق.
مصدرُ فكرة أهمية الإصابة بالعدوى أثناء الطفولة هو فرضيةُ النظافة Hygiene hypothesis التي اقترحها لأول مرةٍ عالم الأوبئة ديفيد ستراكان David Strachan في عام 1989. وكانت الفكرة هي أن الحياة صارتْ أنظف، مما أدى إلى إصابة الأطفال بحالات عدوى أقل، وأن هذا يؤهبهم للإصابة بالحساسية Allergy. لكن، مع أنّ فكرة أن الأجهزة المناعية اليافعة يجب أن «تُدَرَّبَ» على الكائنات الممرضة قد ترسّخَتْ في الوعي العام، فإن فرضية النظافة ليست أفضل طريقةٍ لفهم جهاز المناعة في العصر الحديث. ما نحتاج إليه فعلاً في الحياة المبكرة هو مواجهة مجموعةٍ متنوعةٍ من الميكروبات Microbe – لا الميكروبات الضارة فحسب.
يقول بابادوبولوس إن السيناريو المثالي هو التعرّض «لأنواعٍ مختلفةٍ من الميكروبات والفيروسات والبكتيريا، بكميةٍ صغيرةٍ جداً دون العتبة المُمْرِضة». لذا، فالإصابةُ بالمرض ليستْ شيئاً جيداً في حد ذاتها، بل تميلُ أكثر إلى كونها علامةً على أن طفلك يواجه مجموعةً من الميكروبات، النافعة والضارة. فإذا لم تواجه العديد من الكائنات الممرضة في أعوامك الأولى، فهذا لا يعني أنك ستكون أقل كفاءةً في مواجهتها لاحقاً، لأن جهازك المناعي سيستمر بالتعرّف إلى الأمراض طوال الحياة.
ازدياد الحساسية
ومع ذلك، يبدو أن أعوامنا الأولى مهمةٌ لتشكيل استجابتنا للمُحَسِّسَات Allergen، كما أن عدم التعرض للميكروبات المتنوعة في هذا الوقت قد يجعل الأطفال أكثر عرضةً للإصابة بالحساسية والربو Asthma وبعض أنواع الإكزيما Eczema. ووجدَتْ الدراسةُ الأيرلندية أن أطفال مرحلة الإغلاق كانوا أكثر عرضةً للإصابة بالإكزيما التأتبية Atopic eczema وأظهروا علاماتٍ على التحسس من البيض – وهي المرحلة الأولى نحو الإصابة بحساسيةٍ – إلّا أنه لم تكن هناك زيادةٌ في نسبة الأطفال الذين أصيبوا بالفعل بحساسيةٍ للبيض بحلول عامهم الأول.
ومع ذلك، هناك طرقٌ أخرى نتعرض فيها للميكروبات تعرضاً مبكراً غيرَ المخالطة الاجتماعية، منها الولادة المهبلية بدل القيصرية C-section التي ربما لم تتأثر بالجائحة. فهناك طرقٌ أخرى، مثل الرضاعة الطبيعية، وقضاء الوقت في الخارج، واستخدام المضادات الحيوية Antibiotic وحتى العيش مع كلبٍ أليفٍ – وهي طرقٌ ربما تأثّرَتْ بتغيّر حياتنا في عامَي 2021 و2022 بصورةٍ إيجابيةٍ بالنسبة إلى بعضها، وسلبيةٍ بالنسبة إلى بعضها الآخر.
في الوقت نفسه، مع أننا نعلم أنّ كل هذه العوامل قد تبدو مرتبطةً بأداء المناعة، فإنه ليس لأيٍّ منها تأثيرٌ قوي بما فيه الكفاية لتحديد مستقبلك المناعي تحديداً كاملاً. بل سيُشَكِلُه تفاعلٌ معقدٌ للظروف الشخصية، بما في ذلك الجينات والعديد من الاختلافات الصغيرة والفريدة في البيئات الميكروبية التي ننمو فيها. وهذا يعني – لحسن الحظ – أنّه لا توجد طريقةٌ «صحيحةٌ» لتدريب الجهاز المناعي اليافع.
بقلم بيني ساشي
© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved