أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الأرض

أخيراً، استخرج الحفارون من أعماق البحر كنزا من صخور وشاح الأرض

استكملت الصخور مهمة عمرها 60 عاماً ويمكن أن تكون ثروة علمية

بقلم بول فووسن

في عام 1961، شرع علماء الجيولوجيا قبالة ساحل المحيط الهادي بالمكسيك في رحلة جريئة إلى أرض غريبة – باطن الكوكب. من سفينة، كانوا يهدفون إلى الحفر من خلال القشرة الرقيقة لقشرة الأرض Crust للحصول على عينة من الوشاح Mantle، وهي طبقة من الصخور الكثيفة التي يبلغ سمكها 2,900 كيلومتر والتي تغذي الانفجارات البركانية وتشكل معظم كتلة الكوكب. فقد وصلت الحفارة إلى عمق بضع مئات من الأمتار فقط تحت قاع البحر قبل أن ينهار المشروع تحت وطأة التكاليف المتصاعدة. ولكن المسعى – أحد الكؤوس الجيولوجية المقدسة – ظل قائماً.

ويقول الباحثون الذين شاركوا على متن السفينة جويديس ريزوليوشون JOIDES Resolution، الرائدة في البرنامج الدولي لاكتشاف المحيطات International Ocean Discovery Program (اختصاراً: البرنامج IODP)، إنهم نجحوا أخيراً. حفروا أسفل قاع البحر في وسط المحيط الأطلسي، حيث جمعوا عينة من الصخور يبلغ طولها أكثر من كيلومتر، وتتكون بشكل كبير من البريدوتيت Peridotite، وهو نوع من صخور الوشاح العلوي. فعلى الرغم من أنه ليس من الواضح مدى نقاوة العينات وعدم تغييرها بفعل الحفر، فمن المؤكد أن العينات الأسطوانية من الصخور الخضراء-الرمادية تضرب رقماً قياسياً جديداً لا سابق له، كما تقول سوزان لانغ Susan Lang، عالمة كيمياء البيولوجيا الجيولوجية من معهد وودز هول لعلوم المحيطات Woods Hole Oceanographic Institution وأحد قادة الرحلة البحرية. «هذه هي أنواع الصخور التي كنا نأمل باستخراجها منذ فترة طويلة».

يتابع الباحثون على الأرض بشغف السجلات العلمية اليومية للسفينة مع استمرارها بالحفر، كما تقول جيسيكا وارين Jessica Warren، عالمة الكيمياء الجيولوجية في جامعة ديلاوير University of Delaware. وتضيف قائلة: «لقد كان اكتشاف هذه الأشياء الجديدة حقاً حلماً لعقود وعقود… سنرى في النهاية ساحر أوز».

يمكن للعينات أن تساعد على الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، كما يقول يوهان ليسينبيرغ Johan Lissenberg، عالم البترول البركاني من جامعة كارديف Cardiff University على متن السفينة. ويمكنهم تقديم دليل مباشر على كيفية اختلاف قشرة المحيط في التكوين مقارنة بالوشاح العلوي، والتوصل إلى تقديرات أفضل لوفرة العناصر في المخزون الأساسي من الصخور على كوكب الأرض. ستساعد عينات الوشاح الباحثين أيضاً على فهم كيفية ذوبان الصهارة Magma من الوشاح والارتفاع عبر القشرة لإثارة النشاط البركاني، كما يقول ليسينبيرغ، ويضيف: «يمكن أن تكون هذه خطوة كاملة إلى الأمام لفهم الصهارة – والتركيب العالمي للكتلة الأرضية».

كان مشروع عام 1961 – المسمى مشروع موهول Project Mohole – أول محاولة فاشلة للوصول إلى وشاح الأرض. تمت تسميته على اسم انقطاع موهوروفيتشيش Mohorovičić، أو اختصارا «موهو» Moho، وهو حدٌّ جيوفيزيائي يتميز بارتفاع مفاجئ في سرعة الموجات الزلزالية حيث تؤدي القشرة – وهي مزيج من الصخور التي تبلورت من انصهار الوشاح وتغيرت بفعل الماء – إلى الوشاح المتجانس. تقع طبقة موهو على عمق 35 كيلومتراً تحت القشرة القارية السميكة. لكنها فقط نحو 7 كيلومترات تحت قشرة المحيط. وهي على عمق أقل في موقع الحفر الذي اختارته السفينة جويديس ريزوليوشون في منتصف المحيط الأطلسي، حيث تتباعد الصفائح التكتونية لأمريكا الشمالية وأوراسيا عن بعضها، مما دفع الوشاح إلى الأعلى.

لم تكن استعادة العينة الطويلة من الوشاح هي الهدف الأساسي للرحلة البحرية، التي تدرس أتلانتس ماسيف Atlantis Massif، وهو جبل تحت الماء، بحثاً عن أدلة على أصل الحياة. تحتوي صخور الكتلة الصخرية على الكثير من الزبرجد الزيتوني (الأوليفين) Olivine، وهو معدن يتفاعل مع الماء في عملية تسمى التسربن (التحول إلى سربنتين) Serpentinization. تولد التفاعلات الهيدروجين، الذي يعمل كمصدر للطاقة للحياة الميكروبية في «المدينة المفقودة» Lost City، وهي مجمع قريب من الفوهات الحرارية المعدنية الموجودة في قاع المحيط والتي تترسب بفعل نفثها للمياه شديدة السخونة.

لطالما افتُرِض أن الحياة يمكن أن تكون قد نشأت في مثل هذه الأماكن الغنية بالجزيئات العضوية. هدفت الرحلة البحرية إلى تعميق حفرة بعمق 1.4 كيلومتر تم حفرها سابقاً، ودفعت وصولا إلى عمق شديد الحرارة جداً، حيث قد تكمن المركبات العضوية التي قد توفر المواد الخام لأقرب حياة. ولكن التقدم كان بطيئا.

لذلك عادت السفينة إلى موقع آخر بالقرب من المدينة المفقودة، حيث وجدت النوى الضحلة التي حُفِرت في عام 2015 ما بدا أنه روافع تغيرت بشدة بسبب مياه البحر. بعد ثقب الصدع الأفقي Horizontal fault بالقرب من قاع البحر، «سارت عملية الحفر بيسر»، كما يقول أندرو مكيغ Andrew McCaig، الجيولوجي من جامعة ليدز University of Leeds وكبير العلماء الثاني في الرحلة البحرية. حدثت العقبة الوحيدة عندما احتوت صخور البريدوتيت المستعادة على عروق من الأسبستوس Asbestos، مما أدى إلى تشديد بروتوكولات السلامة.

تقول دونا بلاكمان Donna Blackman – عالمة الفيزياء من جامعة كاليفورنيا University of California، في سانتا كروز – إنه لا يزال هناك مجال للنقاش حول ما إذا كانت الصخور هي عينة حقيقية من الوشاح. إذ يُعتقد أن التسريع الزلزالي في موهو يعكس نقص الماء أو أملاح الكالسيوم والألمنيوم في صخور الوشاح. وتقول بلاكمان إنها قد تصنف العينات على أنها قشرة عميقة Deep crust، إذ لا تزال تظهر آثار ماء البحر على العينات. «لكن، بغض النظر عن ذلك، فإن الخصائص البترولوجية Petrology مثيرة للاهتمام»، كما تقول. وبينما يواصل الفريق الحفر في الصخور العميقة، يقول ليسينبيرغ، «إنها تكون أقل تأثرا بالملوحة».

في الواقع، يبدو أن الفريق قد جمع بالفعل عينات من صخور الوشاح التي لم تنصهر قطُّ في الصهارة، والتي تبرد بعد ذلك وتتبلور إلى أنواع مختلفة من الصخور القشرية، كما يقول فنسنت سالترز Vincent Salters، عالم الكيمياء الجيولوجية من جامعة ولاية فلوريدا Florida State University. وبجمع صخور من هذه المرحلة، كما يقول، يجب أن يكون الباحثون قادرين على معرفة كيفية انصهار الصهارة وتدفقها وانفصالها – وهي أدلة على كيفية عمل البراكين في معظم أنحاء العالم.

يمكن للصخور أيضاً أن تجيب على أسئلة أساسية أخرى، مثل مدى اختلاف الحمم من حيود منتصف المحيط Midocean ridges – والتي غالباً ما تُؤخذ كبديل للوشاح – عن الوشاح نفسه، كما يقول جيمس داي James Day، عالم الكيمياء الجيولوجية من معهد سكريبس لعلوم المحيطات Scripps Institution of Oceanography. يمكن أن تؤدي وفرة العناصر المشعة في الصخور إلى تحسين تقديرات مقدار الحرارة التي ينتجها الوشاح ككل، مما يؤدي إلى تحفيز الحركات الناقلة للحرارة 

Convective motions العميقة التي هي بمثابة محرك Engine الصفائح التكتونية، وقد تستنير الدراسات بهذه القوة الفيزيائية لتفيد الدراسات حول الكيفية التي تكسر الزلازل وانتشارها في الوشاح العلوي. ويمكن أن تساعد العينات أيضاً على توضيح كيفية اختلاط الوشاح، وإعادة دمج المكونات من القشرة القارية التي تمَّ سحبها مرة أخرى إلى باطن الأرض في خنادق أعماق المحيطات. يقول داي: «هناك الكثير من هذا الأمر أكثر من فهم جزء صغير من أرض المحيط».

لقد بدأ البحث على الصخور بالفعل في المختبرات على متن السفينة جويديس ريزوليوشون، وفي النهاية ستكون عينات البرنامج IODP متاحة للجميع. لكن كل الإثارة حول عينات الصخور تأتي أيضاً مع حلاوة مُرَّة: قد تكون الرحلة الاستكشافية واحدةً من آخر رحلات جمع العينات لهذه للسفينة. في مارس 2023، أعلنت مؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation (اختصاراً: المؤسسة NSF) أنها ستنهي عقدها التشغيلي للسفينة في سبتمبر 2024 بسبب ارتفاع التكلفة وعدم التوصل إلى اتفاق مع المتعاونين الدوليين.

السفينة في حالة جيدة ويمكن أن تستمر حتى عام 2028، كما يقول أنتوني كوبرز Anthony Koppers، نائب الرئيس المساعد في جامعة ولاية أوريغون والرائد من رواد مجتمع البرنامج IODP. فلا يزال هناك احتمال ضئيل بأن يمول الكونغرس الأمريكي التمديد، كما يقول. لكن المؤسسة NSF ليست لديها خطة بعدُ لتطوير سفينة جديدة. والمساهمان الكبيران الآخران في البرنامج IODP، وهما أوروبا واليابان، يمضيان قدما في خططهما المستقلة. فقد أعلنتا في مايو 2023 عن إنشاء البرنامج IODP 3، وهو برنامج حفر عالمي جديد من شأنه أن يستخدم بكثافة لسفينة الحفر اليابانية D / V Chikyū، والتي كانت تعمل في الغالب في المياه بالقرب من اليابان.

كانت هذه الرحلة البحرية الأولى للانغ على السفينة جويديس ريزوليوشون، وقد اندهشت من مدى تميز مختبراتها ومعرفة طاقمها الفني. وتقول إن النجاح الذي حققوه يشهد على عقود من الخبرة في البحث تحت الأرض. وتتابع قائلة: «من المؤسف جداً أن شيئاً كهذا سوف يضيع».

© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button