أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغ

رجل مشلول يمشي طبيعياً بفضل «جسر» لاسلكي بين المخ والعمود الفقري

أقطاب مزروع في الدماغ ترسل إشارات تتجاوز منطقة الحبل الشوكي المتضررة، وذلك باستخدام أفكار الرجل لتحفيز حركة الساق

بقلم كساندرا ويليارد

في عام 2011، فَقَدَ غيرت – يان أوسكام Gert-Jan Oskam القدرة على المشي عندما أصيب في عموده الفقري في حادث دراجة هوائية في الصين. بعد ست سنوات، تمكن الرجل الهولندي من اتخاذ بضع خطوات قصيرة بفضل مجموعة صغيرة من الأقطاب الكهربائية المزروعة فوق النخاع الشوكي Spinal cord والتي تنقل نبضات كهربائية تحفز الأعصاب. سمح له الجهاز بالمشي، لكن العملية كانت متقلبة وأحياناً محبطة.

في 24 مايو 2023 أفاد فريق دولي من الباحثين – في مجلة نيتشر Nature – بإعطاء أوسكام وسيلة أفضل، وهي طريقة لسد فجوة التواصل رقمياً بين دماغه وجسمه السفلي. تشير موجات الدماغ إلى رغبة أوسكام في المشي، وتنتقل الإشارة من جهاز مزروع في جمجمته إلى محفِّز العمود الفقري، وتعيد توجيه الإشارة حول الأنسجة التالفة وتوصيل نبضات كهربائية إلى النخاع الشوكي لتسهيل الحركة. يستطيع أوسكام الآن المشي بشكل أكثر مرونة، وتجاوز العقبات، وصعود السلالم. يقول: «كان تحفيز النخاع الشوكي Spinal stimulation من قبل يسيطر علي، والآن أنا أتحكم في التحفيز».

يبدو أن هذه واجهة الدماغ والعمود الفقري Brain-spine interface الجديدة هذه تعزز الإنعاش بعد الإصابة بشكل أكبر من التحفيز وحده. يمكن لأوسكام، الذي ظلت بعض وصلات الحبل الشوكي سليمة بعد الحادث، المشي باستخدام العكازات حتى مع إيقاف تشغيل كلا الجهازين، وهو أمر لم يكن قادراً على القيام به من قبل.

سبق وأن استخدم الأطباء كلاًّ من تحفيز الحبل الشوكي وواجهات الدماغ في الماضي، ولكن «لم يستخدما معاً بهذه الطريقة من قبل»، كما يقول كيث تانسي Keith Tansey، طبيب الأعصاب في مركز ميثوديست لإعادة التأهيل Methodist Rehabilitation Center. «من منظور الهندسة الطبية الحيوية، إنها إنجاز بارع». Proof of concept لم يتضح بعد ما إذا كان الأشخاص الآخرون الذين يعانون إصاباتٍ في النخاع الشوكي سيحققون النتائج نفسها.

بعض إصابات الشلل تقطع النخاع الشوكي تماماً، ولكن في كثير من الأحيان، تظل بعض الوصلات التالفة بين الدماغ والجسم السفلي. على مدى عقود، حاول العلماء إيجاد طرق لإصلاح هذه المسارات السريعة للأعصاب.

تعتمد الدراسة الجديدة على عمل غريغوار كورتين Grégoire Courtine، عالم الأعصاب من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا Swiss Federal Institute of Technology في لوزان، وجوسلين بلوخ Jocelyne Bloch، جراحة الأعصاب من جامعة لوزان University of Lausanne. في عام 2018، أظهر الثنائي وزملاؤهما أن تحفيز العمود الفقري جنباً إلى جنب مع التدريب المكثف يمكن أن يساعد الأشخاص المصابين بالشلل الجزئي على المشي. كان أوسكام واحداً من أول ثلاثة مشاركين في تلك التجربة، واحتفظ كل منهم ببعض الإحساس في الجزء السفلي من الجسم. وفي عام 2021 أفاد الباحثون أن التحفيز ينفع أيضاً في حالة الأشخاص ممن يعانون إصاباتٍ أكثر خطورة والذين ليس لديهم إحساس أو حركة في أرجلهم.

أما تحفيز العمود الفقري؛ فله بعض العيوب. لبدء المشي أو الوقوف، يجب على المستخدم إثارة الإشارة يدوياً، على سبيل المثال، عن طريق الضغط على زر. ولما كان لا يزال بإمكان أوسكام رفع كعبه بعد إصابته، يمكن لجهاز استشعار Sensor في قدمه اكتشاف هذه الحركة الصغيرة، وإطلاق جهاز التحفيز. بعد ذلك، كانت الحركة المُستحَثة Induced movement آلية وأوتوماتيكية – أي ليست تحت سيطرة أوسكام الواعية. ويقول دينيس بوربو Dennis Bourbeau، مهندس الطب الحيوي في المركز الطبي لويس ستوكس كليفلاند لشؤون المحاربين القدامى Louis Stokes Cleveland Veterans Affairs Medical Center والباحث في مؤسسة ميتروهيلث MetroHealth إن تحفيز العمود الفقري في حد ذاته أشبه «بمحرك الدمى الخشبية».

يقول أوسكام: «شعرت مع كل خطوة بالتوتر قليلاً… كان علي أن أتحرك في الوقت المناسب مع الإيقاع وإلا لن أخطو بشكل ملائم». والعديد من الحركات التي كانت مفيدة في الحياة اليومية – صعود السلالم، على سبيل المثال – كان مستحيلا.

يهدف النظام الجديد إلى جعل العملية أكثر سلاسة. تتكون واجهة الدماغ من مصفوفتين بـ 64 قطباً كهربائياً، كل مصفوفة منها في علبة من التيتانيوم. تُزرع العلبتان جراحياً في الجمجمة، واحدة على كل جانب من الرأس، في أعلى القشرة الحركية Motor cortex وتلتقط الإشارات الكهربائية. تنتقل هذه الإشارات لاسلكياً إلى سماعة رأس ثم إلى حاسوب محمول في حقيبة ظهر يرتديه أوسكام، حيث تقوم خوارزمية بفك تشفير الحركة المقصودة. وبعد ذلك يرسل الحاسوب هذه التنبؤات إلى المُحفِّز، الذي يبعث أنماطاً مختلفة من النبضات الكهربائية اعتماداً على الحركة المرغوب فيها. ولم يكن الجمع بين هذه الأجهزة أمرا سهلاً لأنه «ليس من المفترض أن تتحدث أي من هذه الأنظمة مع بعضها بعضا»، كما يقول آن دو An Do، اختصاصي الأعصاب من جامعة كاليفورنيا University of California في إيرفاين.

يسمح نظام أوسكام المُحدَّث بالتحكم بدقة أكبر في مفاصل الورك والركبة والكاحل. بعد 40 جلسة تدريبية، يتمكن للشخص من أن يخطو الخطوات والمشي والوقوف وحتى صعود السلالم. ويبدو أن الفوائد تستمر حتى عند إيقاف تشغيل الأجهزة، مما يشير إلى أن الروابط بين دماغه والجزء السفلي من جسمه ربما تكون قد تعززت.

يقول ناندان لاد Nandan Lad، جراح الأعصاب من جامعة ديوك Duke University: «إلى حد كبير، لا نزال في الأيام الأولى، ولكن كإثبات مفهوم في الإنسان، أعتقد أنها خطوة كبيرة إلى الأمام».

كما يقول مايكل فيلينغز Michael Fehlings، جراح الأعصاب من جامعة تورنتو University of Toronto، إن النتائج مذهلة، لكن لم يتضح بعد أي الأشخاص المصابين بإصابات في النخاع الشوكي قد يستفيدون، وما مقدار الوظائف التي قد يستعيدونها. «هذا هو المريض رقم 1، ومن المرجح أنه تم اختيار المريض بعناية فائقة».

وقد ينفر بعض المرضى بسبب التقنيات الباضعة Invasive المستخدمة في العلاج. يتطلب زرع الأجهزة إجراء جراحة دماغ مفتوحة، وهي عملية تنطوي على عدد من المخاطر. في الواقع، كان لا بد من إزالة إحدى غرسات الدماغ التي يستخدمها أوسكام بعد نحو ستة أشهر بسبب عدوى البكتيريا العنقودية Staph infection.

هذا، ويقول الباحثون إن خطواتهم التالية ستكون جعل التكنولوجيا أصغر حجماً. وقد شاركت بلوخ وكورتين في تأسيس شركة أونوارد Onward تخطط لتطوير نظام مبسط ومتكامل تماماً. يخطط الفريق أيضاً لاختبار ما إذا كانت واجهة الدماغ والعمود الفقري يمكن أن تساعد على تحسين أو استعادة حركة الجزء العلوي من الجسم في المرضى الذين يعانون إصاباتٍ أعلى في العمود الفقري.

ويتوق فيلينغز إلى معرفة كيف تتطور التكنولوجيا، إذ يقول «إنه تقرير حالة مثير للاهتمام جداً. إنه عمل هندسي جميل… لكن النتائج يجب أن تفسر بحذر».

© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى