أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغ

لماذا يعد الاتصال بين العقل والجسم أمراً حيوياً لفهم الوعي

قد يكون مفتاح حل مشكلة الوعي الصعبة في الجسم وليس في الدماغ، حيث تكون أمعاءنا وقلبنا لاعبين أساسيين في بناء تجربتنا الواعية؟

صورة: UNIVERSAL HISTORY ARCHIVE / SCIENCE PHOTO LIBRARY

إذا كان عليك أن تشير إلى المكان الذي يظهر فيه الوعي Consciousness، فمن المحتمل أن توجه إصبعك مباشرة نحو رأسك. هذا هو التفسير السهل. أين تكمن بالضبط دوائر الدماغ المسؤولة عن الوعي، أو كيف تتحول الخصائص المادية فيها على ما يبدو إلى شعور شخصي بالوجود، هي أسئلة حيرتنا لعدة قرون. واتضح أننا ربما كنا نبحث في المكان الخطأ طوال الوقت.

تقول كاثرين تالون-بودري Catherine Tallon-Baudry، عالمة الأعصاب من المدرسة العليا للأساتذة Ecole Normale Supérieure في باريس بفرنسا، إن الدماغ وحده لا يكفي لتوليد تجربة ذاتية. فمن دون الجسد، ببساطة لن تكون الذات موجودة. وتقول: «تماماً كما أن فكرة السيارة لا توجد إلا في حالة وجود عدد معين من المكونات وتفاعلها مع بعضها بعضا».

وبدلاً من ذلك، أدرك الباحثون أن الإدراك البيني Interoception، الذي يراقب إشارات الجسم الداخلية – مثل معدل ضربات القلب والألم والعطش والسرور – يؤدي دوراً رئيسياً في توليد أفكارنا وعواطفنا. الآن، يعتبر الكثيرون أن الإدراك البيني هو سمة أساسية للوعي أيضاً.

تقول تالون-بودري إن أعضاءنا الداخلية، وخاصة القلب والأمعاء، تؤدي دوراً رئيسياً في بناء تجربتنا الواعية. كلاهما له إيقاعهما الذاتي، المنفصل عن الدماغ، وهذا، كما تعتقد تالون-بودري، يوفر خطافاً مفيداً يمكن للدماغ أن يعلق عليه إحساسه بذاته.

وبأخذ الفكرة خطوة أبعد، يقول أنطونيو داماسيو Antonio Damasio من جامعة جنوب كاليفورنيا University of Southern California إن إشارات الجسم الداخلية لا تشارك فقط في الوعي، بل هي الوعي. ويقول: «يواصل الناس الحديث عن الوعي باعتباره اللغز العظيم الذي سيتم كشفه من خلال فهم الدماغ، وهذا خطأ. فالأمر لا يتعلق بالدماغ، بل يتعلق بما يحققه الدماغ من خلال نظام الإدراك البيني في الجسم».

ومن وجهة النظر هذه، لا يزال الدماغ مشاركاً، ولكن بشكل أكبر في دور تشغيلي. يسمح لنا التفكير الواعي بالاستجابة لما يقوله الجسم، «لكنك لست واعياً بسبب الإدراك»، كما يقول داماسيو.

مشكلة الوعي الصعبة
إضافة إلى ذلك، فهو يعتقد أن وجهة النظر المتمركزة حول الجسد للوعي تجعل السؤال حول كيف تؤدي المادة الفيزيائية إلى تجربة واعية، والمعروفة بالمشكلة الصعبة Hard problem، يختفي. ويقول: «لا أعتقد أنه موجود، لأن هذه المشاعر تولد منظوراً ثابتاً… إنه بناء الذات».

ليس الأمر كذلك تماماً، كما يقول هيوغو كريتشلي Hugo Critchley من مركز ساسكس لعلوم الوعي Sussex Centre for Consciousness Science بالمملكة المتحدة. يقول: «ربما يكون التفكير في حالات الشعور ذات المستوى المنخفض باعتبارها وعياً بدائياً هو الطريق الصحيح، ومن ثم التوقع هو أن كل شيء يتراكم بناء على ذلك. ولكن هذا هو المكان الذي يكون فيه الأمر معقداً حقاً».

لا تزال فكرة الوعي الذي ينشأ في الجسم لا تفسر كيف تتحول العمليات الجسدية إلى شعور بأنك «أنت»، كما يقول كريتشلي، ولا كيف يسمح لنا الوعي بالسفر عقلياً ذهاباً وإياباً عبر الزمن.

ومع ذلك، فإن القليل من العاملين في هذا المجال اليوم يعتقدون أن الوعي هو ظاهرة تعتمد على الدماغ بالكامل. وتقول تالون-بودري: «إن التفسيرات الجسدية هي خطوة نحو فهم كيف يمكن أن تنشأ التجارب الذاتية من المواد البيولوجية… وبهذا المعنى، فهي خطوة نحو حل المشكلة الصعبة».

بقلم كارولين ويليامز

© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى