هل يتسارع التغيّر المناخي وهل هو أسوأ ممّا توقعنا
مع تحطّم درجات الحرارة القياسية، من الطبيعي أن نشعر بالقلق بشأن نقاط التحول المتتالية، لكن الواقع أكثر تباينا بكثير
تثير النوبات المتطرفة وغير المسبوقة من الطقس والظواهر ذات الصلة في معظم أنحاء العالم تساؤلات عمّا إذا كان علماء المناخ قد قلّلوا من تقدير مدى سرعة احترار العالم ومدى خطورة العواقب. إليك المعلومات الأساسية التي عليك أن تعرفها.
هل ترتفع درجة حرارة العالم بأسرع مما توقعنا؟
لا، ليس الأمر كذلك. إن الارتفاع في متوسط درجة حرارة سطح الأرض التي قيستْ حتى الآن يقع ضمن النطاق الذي توقعته النماذج المناخية لمستويات غازات الدفيئة Greenhouse gas التي تشبه تلك التي رصدتْ حتى الآن.
وحتى توقعات النماذج البسيطة الأولى التي وضعت في سبعينات القرن العشرين كانت قريبة إلى حد كبير مما حدث منذ ذلك الوقت، وقد أثبتتْ النماذج المتزايدة تعقيدا التي تلتْ ذلك أنّها أفضل في التنبؤ بالاحترار حتى الآن. يقول زيكي هاوسفاذر Zeke Hausfather من منظمة بيركلي إيرث Berkeley Earth الأمريكية غير الربحية: «على العكس، كانتْ درجات الحرارة الفعلية عند الحد الأدنى المتوقع».
في شهر يوليو من هذا العام، حلّق متوسط درجات حرارة السطح العالمي فجأة إلى أعلى مستوياته حتى الآن، لكن ربما كان هذا تقلّبا طبيعيا، مدفوعا بظواهر مثل إل نينو El Niño، وهو ارتفاع درجة حرارة المياه في المحيط الهادي. وسوف يستغرق الأمر عقدا من الزمن أو نحو ذلك حتى يصير من الواضح ما إذا كان هناك أيّ تغيّر في الاتجاه الطويل المدى. ومع أنّه يعْتقد أن سياسات المناخ العالمية الحالية ستضع الأرض على مسار ترتفع فيه درجة حرارتها بمقدار 2.7°س أو نحو ذلك فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2100، إلّا أننا قد نتجاوز هذا.
ويشير أداء النماذج الحاسوبية حتى الآن إلى أنّها جيدة في التنبؤ بمقدار الاحترار العالمي الذي قد يسببه مستوى معين من غازات الدفيئة. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن التغذية الراجعة Feedback المناخية، والتي يمكن أن تؤدي إلى زيادة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي أكثر مما هو متوقع حاليا – على سبيل المثال، إذا ماتتْ الغابات عند مستويات حرارة وجفاف أقل من المتوقع.
في عام 2020، قدّر هاوسفاذر أنّ الاحترار قد يكون أعلى بنسبة تصل إلى 25% ممّا هو متوقع حاليا نتيجة لعدم اليقين هذا. وقال لمجلة نيو ساينتست New Scientist في عام 2021: «هذا يعني أننا لا نستطيع أن نستبعد استبعادا كاملا وجود فرصة ضئيلة لاحترار يصل إلى 5 °س بحلول عام 2100 في عالم تسوده السياسات الحالية، أمّا أفضل تقديراتنا فهو 3°س».
الآن، يعتقد هاوسفاذر أنّه لم تعد هناك حتى فرصة ضئيلة لحدوث ذلك. «أعتقد أنّ التقدم المحْرز في مجال الطاقة النظيفة ساعد على استبعاد الاحترار بمقدار 5 °س، لكننا مازلنا غير قادرين على استبعاد احتمال احترار بمقدار 4°س بحلول عام 2100».
هل نشهد طقسا أكثر تطرفا مما كان متوقعا؟
في مارس 2022، شوهدتْ درجات حرارة أعلى من المعتاد بما يصل إلى 38.5°س في المناطق الداخلية في شرق القارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا) Antarctica، وهي أشد حالات الانحراف Anomaly التي سجلتْ على الأرض على الإطلاق. وأعقب ذلك أسوأ موجة حرّ في تاريخ البشرية، إذ شهدت الصين أشهرا من الحرّ غير المسبوق في فصل الصيف.
هل ظواهر الطقس من هذا النوع أكثر تطرفا ممّا توقعته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change (اختصارا: الهيئة IPCC) بالنسبة إلى مستوى الاحترار الحالي؟ هنا الصورة أقلّ وضوحا.
يقول بيرس فورستر Piers Forster من جامعة ليدز University of Leeds في المملكة المتحدة: «لم أر بعد دليلا دامغا على أن تقييمنا المادي للتغيّر المناخي Climate change أقل من الواقع»، إلّا أنّه يضيف أن وجهة نظره تتغير، ويعتقد الآن أن هذا الاحتمال ممكن على الأقل. ويقول: «ليستْ لدينا معلومات إحصائية كافية لنعرف ما إذا كان هناك أي شيء خارج نطاق توقعاتنا فعلا».
أما بيتر ستوت Peter Stott، من مكتب الأرصاد الجوية Met Office، والمكتب هو هيئة الأرصاد الجوية الوطنية في المملكة المتحدة، فيقول: «بالنسبة إلى الحرارة وهطول الأمطار المتطرفين اللذين حطما الأرقام القياسية، أعتقد أن هناك بعض الأدلة على أنّ النماذج الرئيسة للهيئة IPCC تميل إلى التقليل من تقدير مداها. لكن الأمر لم يحسمْ بعد».
الإشكالية الأساسية هنا هي أن معظم عمليات المحاكاة المسْتخْدمة مصممة لنمذجة الحالات المتوسطة من المناخ أو الطقس، وذلك على مدى عقود أو قرون. لذا، ليس لديها ما يكفي من الدقة لنمذجة ظواهر الطقس الفرديّة بالتفصيل على مدى فترات أقصر، لأيام أو أسابيع على سبيل المثال، لكنّ الباحثين بدأوا الآن باستخدام نمذجات أعلى دقة لبعض الدراسات التي تتناول هذا الأمر.
وبغضّ النظر عمّا إذا كان من الممكن وصف ظواهر الطقس المتطرفة الأخيرة بأنها أسوأ من التوقعات أم لا، فإنّها ترعب العديد من علماء المناخ. يقول ستوت: «ما زلت أشعر بالصدمة من أن هذا يحدث بالفعل في معظم أنحاء العالم وبهذه الوتيرة المتصاعدة بسرعة».
وبعيدا عن ظواهر الطقس المتطرفة، هل قلّلنا من قدر تأثيرات مستوى الاحترار الحالي؟
وهنا الجواب واضح: نعم، لقد قلّلنا. إذ جاء في تقرير عام 2022 عن الهيئة IPCC بشأن تأثير المناخ أنّه مقارنة بالتقييمات السابقة، فإن خطورة حدوث التأثيرات الشديدة «تزداد إلى مستويات عالية وعالية جدا عند مستويات احترار عالمي أخفض».
ويعود هذا التغيير ببساطة إلى أن التأثيرات المرصودة حتى الآن هي بالفعل أشدّ وطأة مما كان متوقعا. على سبيل المثال، كانت ظواهر ابيضاض المرجان Coral bleaching وموته أكثر اتساعا، وكذلك الموت الجماعي للأشجار.
في الواقع، يقول التقرير إن التأثيرات ليست أسوأ فحسب، بل تبيّن أيضا أنّ المجتمعات أكثر عرضة لهذه التأثيرات مما كان يعْتقد، والتكيّف مع عالم أحرّ أصعب مما توقعنا. يقول فورستر: «ما يمكننا فعله محدود. هناك الكثير من الأدلة على أنّه حين حاول الناس التكيّف، لم يكن ذلك كافيا أو لم يجرِ بالطريقة المناسبة».
عندما يتعلق الأمر بالعواقب المستقبلية، بارتفاع مستوى سطح البحر بصورة خاصة، فقد ارتفعت توقعات الهيئة IPCC بصورة متزايدة على مرّ الأعوام. ويقول تقرير الهيئة IPCC لعام 2021 إن الارتفاع العالمي بنحو 2 متر بحلول عام 2100 لا يمكن استبعاده إذا ظلت الانبعاثات مرتفعة جدا، في حين توقع تقريرها لعام 2007 أن 0.6 متر هو أعلى مستوى ممكن بحلول عام 2100.
انتقد ستيفان رامستورف Stefan Rahmstorf، من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ Potsdam Institute for Climate Impact Research في ألمانيا، التقارير السابقة للهيئة IPCC بسبب تقليلها من مخاطر الارتفاع المستقبلي في مستوى سطح البحر. ويعتقد أن أحدث التقارير تتماشى أكثر مع المعطيات العلمية. إذ يقول: «لا أعتقد أن الهيئة IPCC لا تزال تقلّل من تقدير ارتفاع مستوى سطح البحر».
هل نحن أقرب إلى نقاط التحول مما كان متوقعا؟
نعم، نحن كذلك، إلّا أنّه مازال هناك قدر كبير من عدم اليقين. يشير مصطلح نقاط التحول Tipping point إلى الظواهر واسعة النطاق التي لا يمكن عكسها في وقت قريب – وربما لا يمكن عكسها أبدا – إذا وقعت، مثل موت غابات الأمازون المطيرة أو انهيار الطبقة الجليدية في غرب المنطقة القطبية الجنوبية. ويقول تقرير الهيئة IPCC لعام 2022 إنّ مخاطر مثل هذه الظواهر «أعلى سواء أكان ذلك بالنسبة إلى الاحترار الحديث أو الاحترار المتوقع» ممّا جرى التنبؤ بها في التقييمات السابقة.
إضافة إلى ذلك، منذ كتابة تقرير الهيئة IPCC، أشار عدد من الدراسات أنّ دورة الانعكاس الجنوبي الأطلسي Atlantic meridional overturning current (اختصارا: الدورة AMOC) ربما تتباطأ تباطؤاً أسرع مما كان يعْتقد. ولهذه الدورة عدة تأثيرات منها إبقاء شمال أوروبا معتدلا نسبيا بحملها المياه الدافئة إلى هناك. وإذا توقفتْ الدورة تماما، فسيكون لذلك عواقب كارثية.
يقول رامستورف: «كنت أعتقد (كما اعتقدتْ الهيئة IPCC) أن خطر انهيار الدورة AMOC هذا القرن هو أقل من 10%. على عكس بعض الزملاء، لم أجد ذلك مطمئنا، لأنني أعتقد أن العواقب ستكون كارثية جدا لدرجة أن علينا فعلا استبعاد مثل هذا الخطر. وفي ضوء الأدلة الأخيرة، أعتقد الآن أن هذا الخطر أكبر من 10%».
بقلم مايكل لوبيج
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC