أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

ثورة الطاقة المتجددة تحْدث بوتيرة أسرع مما تظن

تتسابق كلّ من الصين والولايات المتحدة، الدولتان الأكثر إطلاقا للانبعاثات الكربونية على مستوى العالم، في إنتاج الألواح الشمسية وعنفات الرياح. ويبدو أننا قد نرى قريبا بداية نهاية الوقود الأحفوري

موجات حرّ في البرّ والبحر. ذوبان الجليد. حرائق الغابات. لقد أبرز عام ظواهر الطقس المتطرفة الصادم هذا واقع التغيّر المناخي Climate change، لكنّه حشد أيضا الزخم السياسي للحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة Greenhouse gas. تقول جنيفر فرانسيس Jennifer Francis، من مركز وودويل لأبحاث المناخ Woodwell Climate Research Center في ماساتشوستس: «الجانب الإيجابي هو أن الكثير من الأشخاص يتساءلون: يا إلهي، ما الذي يحدث؟».

من المتوقع أن يشهد هذا العام أكبر إضافة على الإطلاق لسعة طاقة الرياح والطاقة الشمسية على مستوى العالم

وينعكس هذا الشعور بالإلحاح في إزالة الكربون على نطاق وبسرعة غير مسبوقين في العديد من البلدان في أنحاء العالم. ومن المتوقع أن يشهد هذا العام أكبر إضافة على الإطلاق لسعة طاقة الرياح والطاقة الشمسية على مستوى العالم، إذ من المتوقع إضافة 440 غيغا وات في عام 2023 وفقا لوكالة الطاقة الدولية International Energy Agency (اختصارا: الوكالة IEA).

أضف إلى ذلك الاعتماد المتزايد على المرْكبات الكهربائية Electric vehicle (اختصارا: المركبة EV)، والتي يمكن أن تمثل ما يصل إلى 18% من جميع السيارات الجديدة المبيعة هذا العام. ووفقا لشركة الأبحاث النرويجية ريستاد للطاقة Rystad Energy، قد نكون في طريقنا نحو وصول انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية إلى ذروتها بحلول عام 2025. في الواقع، ربما تكون الانبعاثات الصادرة عن قطاع الطاقة العالمي قد بلغتْ ذروتها بالفعل، وذلك وفقا لشركة أبحاث الطاقة النظيفة إمبر Ember، مقرها في المملكة المتحدة.

ويعود معظم الفضل في هذا التسارع إلى السياسات المناخيّة الجديدة التي تنتهجها أكبر البلدان المطْلقة للانبعاثات في العالم. تعمل الصين، الدولة الأولى في إطلاق الانبعاثات عالميا، على بناء طاقة الرياح والطاقة الشمسية (إضافة إلى بعض محطّات الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية الجديدة) بوتيرة سريعة سرعة جنونية لتحقيق أهدافها المتمثلة بالوصول إلى ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030 وصافٍ صفري بحلول عام 2060، مما يعني موازنة Offset أيّ انبعاثات متبقية. ومن المتوقع أن يكون أكثر من نصف مصادر الطاقة المتجددة الجديدة المبنية في عام 2023 في الصين. وفي يونيو، وللمرّة الأولى، شكّل الوقود الأحفوري أقلّ من نصف سعة الطاقة في الصين.

يتنامى الاعتماد على المرْكبات EV بسرعة أيضا في الصين، إذ تمثّل البلاد 60% من جميع المرْكبات EV الموجودة على الطرق حاليا. وصارت بعض المرْكبات EV في الصين الآن أرخص من السيارات المماثلة التي تعمل بالوقود الأحفوري.

أدّى توسّع الصين في أسطول محطات توليد الطاقة بالفحم باسم أمن الطاقة إلى تعقيد الصورة، لكن تنامي الفحم قد يكون مجرد ارتفاع حاد مؤقت إلى أن تتمكن المصادر النظيفة الموسّعة المقْترنة بالتخزين بالبطاريات وشبكة حديثة من تولي المهمة. يقول لي شو Li Shuo من منظمة السلام الأخضر في شرق آسيا Greenpeace East Asia: «ما دمنا قادرين على التعامل مع الجانب القذر من الصورة، فإن الجانب الأنظف سيصل إلى المستوى الذي نريد أن يكون عنده».

وفي غضون ذلك، وبعد عقود من التردد، تبنّتْ الولايات المتحدة، ثاني أكبر مطْلق للانبعاثات على مستوى العالم، سياسة مناخية متكاملة وجيّدة التمويل في قانون الحدّ من التضخم Inflation Reduction Act. وبحسب إدارة معلومات الطاقة Energy Information Administration الأمريكية، من المتوقع أن تولّد الطاقة المتجددة أكثر من ربع الطاقة الأمريكية بحلول عام 2024. كما ارتفعت مبيعات المرْكبات EV والمضخات الحرارية الكهربائية Electric heat pumps إلى مستويات قياسية. وتظْهر النمذجة أن هذا يضع الولايات المتحدة على مسار خفض انبعاثاتها إلى أكثر من النصف بحلول عام 2035، إلّا أنّ هذا لا يزال متأخرا عن هدف البلاد المتمثل بخفض الانبعاثات إلى النصف بحلول عام 2030، كما أن الطريق للوصول إلى صافٍ صفري بحلول عام 2050 أصعب.

وينفق الاتحاد الأوروبي European Union (اختصارا: الاتحاد EU) ــ رابع أكبر مطْلق للانبعاثات بعد الهند، ويتوقع أن تستمرّ الانبعاثات الصادرة عنه بالارتفاع إلى ما بعد عام 2030 ــ مئات بلايين اليوروات لخفض الانبعاثات. كما تسارعت عملية التحوّل في الاتحاد EU بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ يعمل الاتحاد على تحسين كفاءة استخدام الطاقة وبناء مصادر متجددة لها لتأمين استقلال الطاقة. ووفقا للوكالة IEA، فإن التوقعات بشأن طاقة الرياح والطاقة الشمسية المبنية حديثا في الاتحاد EU هذا العام زادتْ بنسبة 40% بعد الغزو. وقال الاتحاد EU أيضا إنّه سيدفع من أجل التوصّل إلى اتفاق عالمي للتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري قبل عام 2050 في قمة المناخ COP28 في الإمارات العربية المتحدة (17  نوفمبر 2023).

وكلّ هذا يعني أن الانبعاثات العالمية الناجمة عن الوقود الأحفوري قد تبدأ بالانخفاض قريبا. تقول مارينا دومينغيز Marina Domingues من شركة ريستاد: «من غير المرجح أن ينقضي هذا العقد دون الوصول إلى ذروة انبعاثات الوقود الأحفوري».

لا تزال هناك بالطبع مصادر كبيرة للانبعاثات غير الأحفورية علينا التعامل معها، مثل الانبعاثات الناجمة عن الزراعة وإزالة الغابات. ويصْعب أن نستبدل مصادر الطاقة النظيفة ببعض الطرق التي نستخدم بها الوقود الأحفوري، كما هي الحال في الطيران والصناعات الثقيلة. ولكن الوقود الأحفوري يشكّل حصّة الأسد من الانبعاثات العالمية، ورؤيتها تبلغ ذروتها سيكون بمثابة معْلم مهم.

ويظلّ الطريق إلى صافي الكربون الصفري طويلا ومحفوفا بالشكوك، لكنّ البلدان والباحثين في معظم أنحاء العالم يحرزون تقدما في العديد من السياسات والتكنولوجيا اللازمة لإزالة الكربون بالكامل، بدءا من زيادة مقدار الأبحاث والإجراءات المتخذة، ومرورا بحماية الأنظمة الإيكولوجيّة Ecosystem الغنية بالكربون، ووصولا إلى الجهود الوليدة لإزالة ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي وإعادته إلى باطن الأرض. فهذا العام بالفعل عام قياسي بالنسبة إلى التغيّر المناخي، لكن ربما يصير أيضا عاما قياسيا فيما نفعله حياله.

بقلم جيمس دينين

© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى