أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

كيف يؤثر الميكروبيوم في أمراضٍ مثل التعب المزمن؟

رُبِطَ الميكروبيوم بأمراض مثل داء ألزهايمر وداء السكري ومتلازمة التعب المزمن وغيرهم - مما قد يؤدي إلى علاجاتٍ جديدةٍ

أحد الاكتشافات الأكثر إثارةً للاهتمام حول ميكروبيوم Microbiome الأمعاء هو تأثيره في جهاز المناعة Immune system. يوجد ما بين 70 و80% من الخلايا المناعية في الأمعاء، حيث تتواصل باستمرارٍ مع الميكروبات. ويساعد هذا الكلام المتبادل على محاربة الأمراض، وتقوية الاستجابات المناعية وتنظيم الالتهاب، وهو خطّ الدفاع الأول في جسمنا ضد العدوى. التحكّم في الالتهاب أمرٌ شديد الأهمية، إذ أنّ فَرْطَه يدمّر الخلايا ويساعد على الإصابة بالأمراض المزمنة.

ليس من المستغرب، إذاً، أن تشير مجموعةٌ متناميةٌ من الأدلة إلى مشاركة ميكروبيوم الأمعاء في العديد من الأمراض المزمنة، من التهاب المفاصل Arthritis إلى داء ألزهايمر (تنطق آلزايمر) Alzheimer’s. لا يزال الوقت مبكراً، ومعظم هذه النتائج لا تشير إلّا إلى ارتباطاتٍ. لكنها تطرح احتمال أنّ ميكروبات الأمعاء تساهم، أو حتى تسبب، بعض الحالات المرضية الأكثر استعصاءً على العلاج، وهي فكرةٌ ألهمَتْ بالفعل علاجاتٍ جديدةً.

من المُثبَتِ الآن أن اخْتِلافُ الميكروبيوم المعوي لدى الأشخاص الذين يعانون حالاتٍ مثل التصلب المتعدد Multiple sclerosis، والداء السكري Diabetes بنمطيه الأول والثاني، وداء باركنسون Parkinosn’s disease وحتى الربو، اختلافاً كبيراً عن الميكروبيوم الموجودة في الأشخاص الذين لا يعانون مرضاً مزمناً. أظهرَتْ ورقتان بحثيتان نُشرتا في وقتٍ سابقٍ هذا العام (2023) أن الأشخاص الذين يعانون متلازمة التعب المزمن Chronic fatigue syndrome المعروفة أيضاً بالتهاب الدماغ والنخاع العضلي المؤلم للعضلات Myalgic encephalomyelitis، (اختصاراً: المرض ME/CFS)، لديهم كميةٌ أقل من بكتيريا معويةٍ تُسَمى فيكاليباكتيريوم بروزنيتزي Faecalibacterium prausnitzii في برازهم. ويُنْتِجُ هذا النوعُ جزيئاتٍ مضادةٍ للالتهابات، لذا فإن نقصها يمكن أن يفسّر الالتهاب الزائد الذي تُظْهِرُه هذه الحالة المرضية. تُشَاهَدُ أيضاً مستوياتٌ منخفضةٌ من البكتيريا F. prausnitzii في أمعاء الأشخاص المصابين بداء الأَمْعاءِ الالْتِهابِيّ Inflammatory bowel disease (اختصاراً: الداء IBD)، وهو مجموعةٌ من الاضطرابات تتميز بالتهابٍ مزمنٍ في الجهاز الهضمي، وفي أمعاء الأطفال المعرضين للإصابة بالداء السكري من النمط الأول.

هناك إشاراتٌ إلى أنّ بكتيريا الأمعاء قد تؤدي دوراً في داء ألزهايمر، والذي يبدو أنه يتفاقم بسبب الالتهاب المزمن في الدماغ. أظهرَتْ دراسةٌ أُجريت على 50 شخصاً انخفاضاً في وفرة العديد من البكتيريا المُخَفِفَة للالتهابات في أمعاء الأشخاص المصابين بداء ألزهايمر مقارنةً بأولئك الذين لا يعانونه.

يمكن أيضاً أن تتحول البكتيريا المُمْرِضة أثناء المرض المزمن. لدى المصابين بالتهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid arthritis – وهو مرضٌ يهاجم فيه الجهاز المناعي المفاصلَ خطاً – كمياتٌ أكبر بكثيرٍ من البكتيريا كالينسيللا أيروفيسينس Collinsella aerofaciens في برازهم مقارنةً بأولئك الذين لا يعانونه. ووجدَتْ دراساتٌ لاحقةٌ أنّ البكتيريا C. aerofaciens ترفع مستويات الجزيء المُعَزِزِ للالتهاب في خلايا معوية بشريةٍ يُعْرَفُ أنّها تؤدي دوراً في التهاب المفاصل الروماتويدي.

يقول تيموثي سامبسون Timothy Sampson من جامعة إيموري Emory University في جورجيا إنّ هناك ثلاث أفكارٍ رئيسةٍ حول سبب اختلال ميكروبيوم الأمعاء في الأمراض المزمنة. يقول إنّ الأولى هو الجينات، التي يمكن أن تعزز بيئاتٍ مختلفةً في أمعائنا. مثلا، تؤثر الطفرات في الجينات المرتبطة بالداء IBD في التفاعلات بين الجهاز المناعي والميكروبيوم. في الفئران المُعَرَضَة لأعراضٍ تشبه مرض الداء IBD، كانت تلك التي يعوزها أحد هذه الجينات، المُسمى NOD2، أكثر عرضةً لتتطور لديها علامات الحالة المرضيّة.

السموم البيئية
التفسير الثاني يتعلق السموم (بالذيفانات) Toxin البيئية. وربطَتْ الأبحاثُ السابقةُ بين التعرّض لمبيداتٍ حشريةٍ شائعةٍ وارتفاع خطر الإصابة ببعض الأمراض التنكسية العصبية Neurodegenerative disease مثل داء باركنسون. ويقول سامبسون إنّه من الممكن أن تكون هذه المواد الكيميائية مسؤولةً أيضاً عن الاختلال الميكروبي الموجود لدى المصابين بهذه الحالة المرضية. 

وأخيراً، يمكن أن تكون التغييرات مرتبطةً بعدوى سابقةٍ. مثلا، ذكرَ العديد من الأشخاص الذين يعانون المرض ME/CFS أنّ أعراضهم بدأتْ بعد الإصابة بعدوى فيروسية. يقول سامبسون إن مثل هذه العدوى قد تسبب اضطراباتٍ دائمةً في ميكروبيوم الأمعاء تساعد بعد ذلك على الإصابة بمرضٍ مزمنٍ.

إن فهم ما يؤدي إلى اختلال توازن سكان أمعائنا يمكن أن يساعد على الإجابة عن السؤال الأكثر أهميةً حول ما إذا كانتْ هذه التحولات تدفعُ المرضَ. يقول سامبسون: «أحد التحديات الصعبة هو فهم من يأتي أولاً. هل يتغير تكوين الميكروبيوم قبل تشخيص المرض؟ أم أنه شيءٌ ينشأ مع تقدّم المرض؟». يبدو أن الدراسات التي أُجريتْ على الحيوانات تشير إلى الأول. مثلا، وجد سامبسون وزملاؤه أنّ نقل ميكروبات أمعاءٍ من أشخاصٍ مصابين بداء باركنسون إلى الفئران التي لديها استعدادٌ جيني لأعراض هذه الحالة يُعطّل تعطيلاً كبيراً الوظائف الحركية للحيوانات. وأظهر هو وفريقه أيضاً أنّه في الفئران المعرضة للإصابة بداءٍ شبيهٍ بداء ألزهايمر، تكون كُتَلُ البروتين المميزة للمرض وتشابكاته في أدمغة الفئران التي ليس لديها ميكروبيوم أمعاء معيّن أقلّ مقارنةً بالتي لديها ميكروبات الأمعاء تلك.

العلاج بنقل البراز
إنّ ترجمة هذه الدراسات على الحيوانات إلى البشر هي خطوةٌ تاليةٌ مهمةٌ. إحدى طرق اختبار مثل هذه الأفكار على البشر هي إجراء عملية نقل برازٍ من شخصٍ سليمٍ إلى شخصٍ يعاني مرضاً مزمناً. إن خفّتْ أعراض المرض بعد ذلك، فهذا يشير إلى أن الميكروبيوم كان يقود المرض بطريقةٍ ما. أُجري عددٌ قليلٌ جداً من هذه الدراسات، وحتى الآن ركّزَتْ معظمُها على الداء IBD، لكن نتائجها كانتْ واعدةً. ففي 36 دراسة أُجريتْ على أشخاصٍ يعانون هذه الحالة، أدّتْ عمليات نقل البراز إلى هَدْأَة المرض في 37% من المشاركين وإلى تحسّنٍ في 54%.

إن فهم كيفيّة مساهمة ميكروبات الأمعاء في الإصابة بالأمراض المزمنة قد يؤدي إلى طرقٍ أخرى أكثر عمليةٍ لعلاج مثل هذه الأمراض. مثلا، تناول المعينات الحيوية Probiotics، وهي أطعمةٌ أو مكملاتٌ تحتوي على ميكروباتٍ حيّةٍ مفيدةٍ، أو اتباع نظامٍ غذائي يدعم البكتيريا المفيدة المضادة للالتهابات، يمكن أن يساعد على تخفيف أعراض الالتهاب. بدلاً من ذلك، يمكن للأدوية الجديدة التي تغير بطريقةٍ أو بأخرى عمل الميكروبيوم أن تفي بالغرض. وبالفعل، طوّر ستانلي هازِن Stanley Hazen – من كليفلاند كلينيك Cleveland Clinic وهو معهد رعايةٍ صحيةٍ في أوهايو – وزملاؤُه دواءً فموياً يمنع الميكروبات من إنتاج جزيءٍ يُسمى ثلاثي ميثيل أمين إن-أكسيد Trimethylamine N-oxide (اختصاراً: الجزيء TMAO)، وهو عاملٌ معروفٌ يدفع للإصابة بأمراض القلب.

يقول سامبسون: «حتى ولو كان الميكروبيوم نفسه لا يسهم في الأمراض المزمنة، فإننا بالعمل عليه بواسطة الأدوية أو المعينات الحيويّة، يمكننا أن نجعله مُعَزِزاً لوظيفةٍ مفيدةٍ».

بقلم غرايس وايد

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى