مقابلة سارة إيماري ووكر – كيف يمكن لإعادة تعريف الحياة جذرياً أن تساعدنا على العثور على كائنات فضائية
توضح سارة إيماري ووكر، التي طورت «نظرية التجميع» مع الكيميائي لي كرونين، كيف يمكن أن يساعدنا تعريف النظرية للحياة في العثور عليها على الكواكب الأخرى
ما الحياة؟ يبدو كأنه سؤال بسيط جدا. ولكننا في الحقيقة لا نستطيع تفسير سبب بقاء كتلة واحدة من المادة على قيد الحياة في حين أن أخرى ليست كذلك، وهذه مشكلة إذا كنت تريد معرفة كيف بدأت الحياة على الأرض – بغض النظر عما إذا كانت موجودة في مكان آخر أم لا. لكن سارة إيماري ووكر Sara Imari Walker، عالمة الفيزياء النظرية وعالمة الأحياء الفلكية من جامعة ولاية أريزونا Arizona State University، لديها نظرية جديدة تهدف إلى تحويل فهمنا لما هو موجود على قيد الحياة تحويلا جذريا.
تستخدم معظم المحاولات لوصف الحياة الأرض كمخطط أساسي. بدلاً من ذلك، بالنظر في الخلايا السابقة وكيميائها من خلال المبادئ العامة لكيفية ظهور الأشياء المعقدة، تدعي ووكر أنها توصلت إلى فهم أعمق. تشرح الفكرة، المعروفة بنظرية التجميع Assembly Theory، أي لماذا صارت بعض الأشياء المعقدة أكثر وفرة من غيرها من خلال التركيز الجديد على تاريخها. الآن، تختبر والكر وزملاؤها النظرية على عوالم مصغرة نمت في المختبر. في التجارب، اكتشفوا بالفعل عتبة Threshold – وهي عدد الخطوات على الطريق إلى التعقيد – يبدو أنه يجب لشيء ما تحقيقها ليتم اعتباره على قيد الحياة.
إذا ثبتت صحة نظرية التجميع، كما أخبرت مجلة نيو ساينتست New Scientist، فإنها ستعيد تعريف ما نعنيه بالأشياء «الحية» وتظهر أننا كنا نبحث بالطريقة الخطأ عن حياة خارج الأرض. في هذه العملية، كما تقول، يمكن أن ينتهي بنا المطاف بدراسة حياة فضائية Alien life في المختبر.
توماس ليوتن: كيف نحدد الحياة في الوقت الحالي؟
سارة إيماري ووكر: التعريف الشائع، الذي غالباً ما تستخدمه وكالة ناسا NASA، هو أن الحياة عبارة عن نظام كيميائي قائم بذاته وقادر على التطور الدارويني Darwinian evolution. كل كلمة في هذا التعريف إشكالية. لا أعتقد أن الحياة يجب أن تكون بالضرورة مادة كيميائية. إنها ظاهرة أكثر تجريدية. تدور الحياة حول كيفية بناء المعلومات للأشياء المادية، وما الأشياء التي يتم انتخابها للوجود، بغض النظر عما إذا كانت هذه الأشياء كيميائية أم لا.
بالنسبة إلى «الاكتفاء الذاتي» Self-sustaining، حسناً، يجب أولاً تحديد حدود الذات. فالطفيليات مثيرة للاهتمام لأنها لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي، ولكن إذا قمت بتضمين مضيفها فهي كذلك. تعتمد الحياة على بيئتها. دائماً ما تأتي الكثير من المشكلات المتعلقة بتعريف الحياة من رغبتنا في رسم حدود واضحة. نريد أن نكون قادرين على تصنيف الأشياء ووضعها في سلة الحية أو سلة غير الحية. ولكن هناك دائماً هذه الحالات الحدودية الصعبة. لذا، لا ينبغي أن نفترض أننا نعرف ما الحياة منذ البداية لأن هذا المشروع برمته قد فشل على مدى عقود عديدة.
ألم نفهم بعد ما الحياة وكيف بدأت؟
يركز الكثير من الناس على سيناريو عالم الحمض النووي الريبي RNA، على سبيل المثال، والذي يفترض أن جزيئات الحمض النووي الريبي RNA ذاتية التكاثر ظهرت كخطوة أولى، قبل الحمض النووي DNA أو البروتينات. ولكنهم ما زالوا يفتقرون إلى القصة الأكبر حول كيفية نشوء الأنظمة الكيميائية المعقدة بالفعل. هذه مشكلة لأننا نبني الإجابة التي نتوقعها في تصميم تجارب أصل الحياة. لقد ضيَّق الجميع مجموعة سمات الحياة التي يعتقدون أنها مهمة، لكننا لم نتوصل إلى هذا الفهم الأعمق الذي يسمح لنا بربط كل هذه القطع معاً.
كيف نصل إلى فهم أعمق؟
يريد الكثير من الناس القول إن الكون يولد التعقيد من دون مقابل. في الفيزياء القياسية Standard physics، نعتقد أن كل شيء يمكن أن يحدث تلقائياً وأن الحياة هي مجرد تقلبات نادرة جداً. لكن الكون هو هذا الفضاء الشاسع للأشياء الممكنة. هناك 118 عنصراً معروفاً، والجزيئات مصنوعة من العديد من هذه العناصر، ولكن لا توجد مادة كافية في الكون بكامله لعمل نسخة واحدة من كل جزيء ممكن. وهذا مجرد عدّ الجزيئات البسيطة، فأنا لا أشمل الجزيئات الكبيرة مثل الحمض النووي DNA أو البروتينات. لذا فإن احتمال تكوين جسم معقد نسبيا، مثل بوليمر الحمض النووي، عن طريق ربط الذرات عشوائياً هو احتمال منخفض بشكل كبير. إذا حاولت إنشاء ذلك مرتين، فسيكون ذلك مستحيلاً تقريباً. لم يكن هناك قطُّ فيزياء تتعامل على وجه التحديد مع هذه المشكلة.
كيف تحاول نظرية التجميع التعامل مع هذا؟
الفرضية الرئيسية لنظرية التجميع هو أن الطريقة الوحيدة التي تتيح لنا إمكانية ملاحظة الأشياء المعقدة هي من خلال عملية التطور Evolution والانتخاب Selection: حيث يعتمد الانتخاب على الأشياء التي بُنيَت في الماضي، وتُستخدم لبناء كائنات لاحقة. تقودنا هذه السلسلة من المراحل إلى «عتبة التعقيد» Complexity threshold، وفقط بعدها ترى الأشياء التي هي نتاج الحياة. جنباً إلى جنب مع لي كرونين Lee Cronin من جامعة غلاسكو University of Glasgow في المملكة المتحدة، فإن فرضيتنا هي أن الحياة هي الفيزياء الوحيدة التي تبني هذه الكائنات عالية التعقيد. أحياناً أقول إن الحياة هي الفيزياء التي تقرر ما يجب أن يكون موجوداً.
ماذا تقصدين بـ «الأشياء»؟
الأشياء الأساسية في نظرية التجميع هي الهياكل المعقدة الناشئة، وليست الجسيمات الأساسية مثل الكواركات Quarks أو الإلكترونات Electrons أو الفوتونات Photons. نحدد الكائنات داخل «مساحة التجميع» Assembly space، وتشمل جميع طرق بناء كائن من لبناته الأساسية. لذلك لا يتم تحديد كائن مثل الجزيء من خلال تكوينه ثلاثي الأبعاد الذي قد تحمله في يدك، ولا يتم تحديده من خلال كتلته أو شحنته الكهربائية. الكائن هو في الواقع طرق بناء الجزيء. هذه التواريخ، التي تتقارب في بنية معينة نراها، هي الموضوع.
يمكن صنع الإلكترون في أي مكان في الكون وليس له تاريخ، لذا فهو ليس شيئاً مثيراً للاهتمام. أنت أيضاً كائن أساسي، ولكن مع الكثير من التبعية التاريخية. قد ترغب في الاستشهاد بعمرك بالرجوع إلى وقت ولادتك، لكن أجزاء منك أكبر ببلايين السنين. الريبوسومات Ribosomes التي تؤدي دوراً رئيسياً في ترجمة المعلومات من الحمض النووي إلى البروتين، على سبيل المثال، يُعتقد أنها كانت موجودة على الأرض قبل ما يقرب من أربعة بلايين سنة. فالجزيئات المحددة في جسمك ليست بهذا العمر، لكن سلالة هذه الأشياء التي يتم إعادة بنائها تعود إلى هذا الحد.
من هذا المنظور، يجب أن نفكر في أنفسنا على أنها سلالات لنشر المعلومات التي تجد نفسها مؤقتاً مجمعة في الفرد. نحن تاريخنا. لذلك، نحن نعيد صياغة الحياة من خلال التفكير فيها على أنها هيكل ممتد مؤقتاً. إنه سلالة وليست فرداً.
يبدو بديهياً أن الكائنات الحية المعقدة مصنوعة من كائنات أبسط. كيف يكون هذا تفسيرا للحياة؟
نحن نقول إن هناك نوعاً مختلفاً من التعقيد، يتم تجميعه. يمكن أن يكون لديك مزيج كيميائي من العديد من الجزيئات على النيزك Meteorite، ولكن نظراً لعدم إنتاج أي منها بوفرة كافية، فإنك تحصل على هذا القطران غير المتمايز. من منظور نظرية التجميع، لم يتم انتخال أي هياكل مجمعة من ذلك الخليط غير المتمايز. إنه تعقيد واضح يختلف تماماً عن نوع التعقيد الذي نتحدث عنه. وفقاً لنظرية التجميع، هذا هو السبب في أن النيزك ليس له علاقة تذكر بالحياة.
حجتنا الأساسية هي أنه إذا كان من الصعب القيام بشيء ما، وتطلب العديد من الخطوات، فلن ترى وفرة ما لم يكن هناك مسار محدد يصنع ذلك. في النيزك، تُنتج الجزيئات ذات مستوى التجميع العالي بكميات صغيرة من خلال عمليات عشوائية لا يمكن اكتشافها. ولكن إذا كان الكائن حياً، فيمكن للمسارات المحددة إعادة استخدام أجزاء من تاريخ الكائن لإنشاء وفرة من الهياكل ذات التجميع العالي. هذه هي الطريقة الوحيدة لاجتياز هذا الفضاء المتزايد تزايدا أسيا لجميع الأشياء الممكنة ومن ثم شرح نشوء الحياة. يجب عليك تتبع المسارات المشروطة تاريخياً، ونحاول معرفة أقل عدد من الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك.
ما الذي يجعل بعض المسارات «محددة»؟
إذا سمحت لخيالي بأن يجمح، فسأقول إن هناك نوعاً من القوة التي تحرك الكائنات عبر مساحة التجميع لتوليد كائنات تجميع أعلى، وهذا هو السبب في أن المحيط الحيوي تطور التعقيد بمرور الوقت. لكني لا أعرف ما إذا كانت قوة مثل الفيزياء القياسية، نحن نحاول التفكير في ذلك. حدسي هو أن الحياة هي الفيزياء التي تبني وتنمي المساحات الممكنة. هناك نوع من القوة الدافعة المستغلة من أجل صنع أكبر عدد ممكن من الأشياء. وهذه القوة الدافعة تسعى إلى تعظيم عدد الأشياء الموجودة، والحياة هي الطريقة لتحقيق ذلك.
كيف تختبر هذا في المختبر؟
من نظريتنا العامة حول كيفية تجميع الأشياء، توقعنا وجود عتبة للحياة. أخذ كرونين وفريقه مجموعة كاملة من العينات الكيميائية من المواد الحية وغير الحية. باستخدام مطياف الكتلة Mass spectrometer، الذي يقيس الأجزاء الجزيئية، قاسوا «مؤشر التجميع» Assembly index لجسم ما. هذا هو أقصر طريق مطلوب لبنائه.
يبدو أن الحد الأدنى للحياة هو مؤشر تجميع Assembly index يعادل نحو 15. لا نعرف ما إذا كان الرقم 15 عالمياً أم خاصاً بالكيمياء على الأرض. لكن حقيقة وجود عتبة، فوقها نلاحظ فقط الجزيئات التي تنتجها الحياة، مهمة حقاً.
لم نعثر على أي مواد غير حية لها مؤشر تجميع أعلى من 15. هذا النقص في النتائج الإيجابة الزائفة False positives أمر غير معتاد في علم أصل الحياة Origin-of-life. عندما يبحث علماء الأحياء الفلكية، مثلي، عن الحياة، يبدو أننا نعتقد أن النتائج الإيجابة الزائفة أمر لا مفر منه. سنجد الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي على كوكب نجمي Exoplanet، أو الأحماض الأمينية على النيازك، على الرغم من عدم وجود حياة هناك. يخبرنا هذا أننا كنا ننظر إلى الحياة بشكل خاطئ. إذا كانت الحياة فئة حقيقية من الطبيعة، ونحن نفهم الفيزياء، فلا ينبغي أن تكون هناك نتائج إيجابة الزائفة. إنها إما حياة أو ليست كذلك.
لذا، هل يمكنك استخدام مؤشر التجميع للحياة هذا للبحث عن حياة فضائية؟
نعم. نحن نطبق فكرة مؤشر تجميع 15 على أجهزة الطيران المستقبلية لبعثات ناسا. ستكون مهمة دراغونفلاي Dragonfly التابعة لناسا، المقرر إطلاقها في عام 2027، أول من يزور سطح قمر زحل تيتان. إنه مثال جيد على ميزة اتباع نهج أكثر عمومية لماهية الحياة لأن تيتان مختلف تماماً عن الأرض: سطح تيتان به بحيرات هيدروكربونية. لا نتوقع أي شيء مثل الحياة على الأرض أن تتطور أو تعيش في هذه البيئة، لذلك إذا أردنا معرفة ما إذا كانت هناك حياة على تيتان، فنحن بحاجة إلى تقنية لاأدرية Agnostic technique. تعمل مجموعتي الآن على تحديد كيف يمكننا اكتشاف جزيئات التجميع العالية. نحن نعمل مع وكالة ناسا للتأكد من أن أجهزة قياس الطيف الكتلي الحالية لديها دقة عالية بما يكفي لاكتشاف جزيئات التجميع العالية.
تم حتى الآن اكتشاف الحياة على الكواكب أو الأقمار الأخرى عن طريق القياس على الحياة على الأرض، لكن هذا يقلل من مدى اختلاف الحياة الفضائية. في النهاية، أريد استخدام نظرية التجميع ليس فقط لاكتشاف الحياة على الكواكب الأخرى، ولكن للتنبؤ بنوع كيمياء تجميع الحياة التي نتوقع أن تتطور على كواكب مختلفة.
كيف ستساعدك نظرية التجميع على معرفة أصل الحياة، على الأرض أو في أي مكان آخر؟
أعتقد في الواقع أن أصل الحياة كان تحولا على نطاق كوكبي. الصورة المختزلة الأخرى تقول إن الخلايا ظهرت في بيئة واحدة، مثلا كما في فوهة حرارية مائية Hydrothermal vent معزولة في أعماق البحار، ثم انتشرت على الكوكب بكامله.
وجهة نظري هي أن الكيمياء الجيولوجية بدأت بتوليد المزيد من التعقيد، مما أدى إلى تغيير سمات تلك الكيمياء الجيولوجية على مستوى العالم. من خلال حلقات التغذية الراجعة هذه، تحولت الكيمياء الجيولوجية إلى الكيمياء الحيوية والتي أدت إلى الهياكل الخلوية وفي النهاية إلى البشر. يمكنك تقريباً التفكير في الأمر على أنه تكثف عبر المقاييس من الجزيئات إلى الخلايا إلى النظم الإيكولوجية إلى مقياس الكواكب، كل ذلك مرة واحدة.
هل هناك أي طريقة لاختبار هذه الفكرة؟
سنحتاج إلى بناء تجارب يمكنها استكشاف مختلف التركيبات الجيولوجية لتحديد كيف يمكن للظروف المختلفة أن توجه الانتخاب وظهور التطور. يوجد تشبيه في مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider، الذي بني لاستكشاف الظروف في بداية كوننا. نحن بحاجة إلى بناء تجربة كيمياء جيولوجية كوكبية لاستكشاف الظروف في بداية الحياة.
يمكننا القيام بذلك من خلال تجارب الكيمياء الآلية التي أجريت على نطاق واسع، والتي نعمل عليها مع فريق كرونين. الهدف النهائي هو البحث التجريبي بشكل كافٍ عن الفضاء الكيميائي للكواكب في المختبر لمراقبة حدث جديد لأصل الحياة. أي أننا نريد اكتشاف الحياة الفضائية من خلال محاكاتها من الصفر في المختبر. فإذا تمكنا من فعل ذلك، أعتقد أنه يمكننا القول إننا حللنا ماهية الحياة.
بقلم توماس ليوتن
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC