أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أركيولوجيا

صيانة تراث نفرتاري

صيانة تراث نفرتاري(*)

تشهد مقبرة هذه الملكة المصرية القديمة على الحب الكبير الذي

كان يكنه لها الفرعون رمسيس الثاني. كما يشهد النجاح في

صيانة هذه المقبرة على تقدم فن الحفاظ على الآثار

<N.أگنيو> ـ <Sh.ميكاوا>

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H02_00249.jpg

 

لا يُعرف الكثير عن نفرتاري، الزوجة المفضلة لرمسيس الثاني، الفرعون الذي حكم في الفترة ما بين عام 1290 و 1224 قبل الميلاد. ولكن من الواضح أنه كان يعشقها، وقد عبر عن ذلك بنحته تمثالا لها وللإلهة حتحور في معبد أبو سمبل على نفس حجم تمثاله، وهو شرف لم تحصل عليه أي ملكة مصرية أخرى. وقد عبر عن هذا الحب الكبير بإطلاقه تسميات عليها مثل (السيدة ذات السحر)، (الحب الحلو)، (الوجه الجميل)، (التي تشرق لها الشمس). وبعد وفاتها أسبغ عليها تشريفا أخيرا غاية في الأبهة، فعلى الرغم من عدم انحدارها من أصل ملكي، فإنه دفنها في مقبرة جميلة مزخرفة في وادي الملكات.

 

وتعتبر النقوش والرسوم الجدارية في مقبرة نفرتاري من أجمل رسوم الفن الجنائزي الفرعوني. وكما في سائر المقابر، فإن صور نفرتاري تقتصر على رحلتها إلى العالم الآخر ولقاءاتها مع أوزوريس وإيزيس وآلهة أخرى، ولا تصف أي صور لها حياتها اليومية مع رمسيس الثاني أو أبنائها الستة أو السبعة. ولكن حتى مع وصف طقوس الرحلة الأبدية التي تتبع قاعدة محددة تقع في نحو 174 فصلا من «كتاب الموتى»، فإن الرسوم في مقبرة نفرتاري فريدة في حيوية ألوانها وغناها وتفاصيلها.

 

ربما يكون تفاني رمسيس الثاني في حب مليكته حماها لدى انتقالها إلى العالم الآخر، ولكنه لم يحمها على مر الأجيال. فعندما اكتشف عالم الآثار<E.سكياپاريلّي>المقبرة عام 1904، كانت قد كُسرت وسُلب ما فيها، واختفت الكنوز التي كانت مصاحبة لنفرتاري في قبرها وحُطم تابوتها وسرقت مومياؤها.

 

كذلك فسدت الرسوم الجدارية للمقبرة بشدة، ولكن هذا كان بسبب العوامل الطبيعية وليس بفعل لصوص المقابر. فقد رشح الملح من الحجر الجيري للصخرة الأم التي نحتت فيها المقبرة، وتبلور تحت المِلاط plaster متلفا نسبة كبيرة من الرسوم. وخلال العقود التالية عجَّل زوار المقبرة الضخمة ـ من دون قصد ـ بتلف الرسوم. وكان العامل الرئيسي الأكثر احتمالا هو اللمس المستمر للسطح الهش؛ كما أن الرطوبة الناتجة من تنفسهم وعرقهم يمكن أن تكون ساهمت في هذا التدهور. وتزايد اهتمام علماء الآثار archaeologists والمؤرخينhistorians بالمقبرة؛ ففي العشرينات من القرن الماضي رعى متحف المتروپوليتان للفن في مدينة نيويورك عملية كبيرة لتوثيق النقوش بتصويرها ضوئيا. وشمل هذا التسجيل 132 لوحة زجاجية سالبة glass plate negatives دأب على إعدادها مصور سكياپاريلّي بين عامي 1904 و 19055، إضافة إلى سجلات مصورة أخرى كانت قد أنجزت في أعوام تالية، ولكن الرسوم بقيت في خطر. وفي النهاية كان من البديهي أن تلجأ الحكومة المصرية إلى إغلاق المقبرة أمام الزوار في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي.

 

لقد قبع إرث نفرتاري الجميل في جو هادئ ومغبر، لا يزوره إلا بعض الدارسين. وابتداء من أواخر السبعينات من القرن الماضي قامت مجموعات عمل مختلفة ـ منها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO)، والمركز الدولي لدراسة حفظ وترميم المقتنيات الثقافية، وجامعة القاهرة ـ بإجراء سلسلة من الدراسات حول حالة عدة مقابر مهمة. وأعاد البحث إلى النور مرة أخرى الحالة المأساوية للنقوش الجدارية لمقبرة نفرتاري. وفي النهاية أدى ذلك إلى دفع المختصين في معهد جيتي لصيانة الآثار Getty Conservation Institute  وهيئة الآثار المصرية إلى اقتراح بإنقاذ الرسوم الباقية، وإمكانية إعادة فتح المقبرة للزوار.

 

وفي الفترة ما بين عامي 1986 و 1992 قامت المنظمتان المذكورتان بصيانة الرسوم، وذلك باستعمال معدات وتقنيات متطورة. وقد جمع المشروع بين مهارات مؤرخي الفنون ومختصي صيانة الآثار وعلماء المصريات وعلماء البيئة وعلماء الطپوگرافيا والكيميائيين والفنيين والإخصائيين الآخرين. فلم يكن الأمر يتعلق  فقط بمسألة حماية النقوش الجدارية، وهي بحد ذاتها مهمة شاقة، وإنما كان ينبغي فهم ودراسة المناخ الدقيق والظروف الهيدرولوجية، وكيفية التعامل معها، بحيث لا يبدأ التدهور مرة أخرى بمجرد الانتهاء من العمل.

 

الآن وبعد مرور ثماني سنوات على انتهاء العمل، يظهر لنا أن الرسوم مستقرة وأن المشروع قد نجح وسيدوم نجاحه، وأصبح الزوار يستطيعون رؤية هذه الصور الرائعة مرة أخرى ويتأملون الجمال الهادئ للملكة نفرتاري، وهم يعرفون أنهم ينظرون إلى أعمال أصلية وليس إلى عمل يدوي من إنتاج القرن العشرين. ومنذ البداية، اتفق الفريق الذي قام بهذا الجهد على أنه لن يكون هناك أي ترميم restoration، بمعنى إعادة الشيء إلى حالته الأولى، وبعبارة أخرى لن يضع الفريق أي أصباغ في الأجزاء التي زال لونها، على الرغم من أن الصور الضوئية المسجلة للمقبرة كان يمكن أن تتيح لهم ذلك.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H02_00250.jpg

الماضي والحاضر يتقابلان وجها لوجه، حيث تفحص مسؤولة الصيانة <L.داليساندرو> رسما للملكة نفرتاري (في اليسار)، لتحديد أفضل طريقة لإنقاذه. وكما توحي الصور الملونة لمدخل مقبرة نفرتاري في وادي الملكات فإنها تحتوي على بعض أبدع الرسوم في عصرها (الصفحة المقابلة).

 

في بعض الأحيان يتم ترميم الأعمال الفنية (حتى وإن كان على كره منا)، لإعادة التناغم والاتساق البصري الأصلي للقطعة الفنية، ومع ذلك فإن هذه السيرورة سوف تفسر حتما تكامل القطعة الأثرية. وفي حالة مقبرة نفرتاري ـ وهي موقع له عظمة التاريخ ـ قرر جميع المشتركين أن الرسوم الجدارية لا بد أن تظهر شاهدا ودليلا على مرور الزمن، وأنه لا ينبغي «تهجين» القديم مع الحديث.

 

تقييم حجم التلف

لقد بدأ الفريق سيرورة الحفظ بإجراء تقييم شامل لحالة الرسوم (النقوش). فقام بدراسة كل بوصة من المِلاط ليرى الأمكنة التي تساقطت منها بعض أجزائه، وهل هي متماسكة مع بعضها أو متماسكة مع الحائط، وهل به شروخ أو لا. كما قام أعضاء الفريق بفحص أمكنة تنتأ فيها كسر الصخور من خلال المِلاط، وفحصوا الطلاء ليروا إن كان قد تعرض للتقشر أو السحج أو لفقدان تماسكه، وما إذا كان مغطى بالأوساخ أو الأتربة أو أعشاش الحشرات. وفي الوقت نفسه كان الفريق يراقب ويسجل مدى تبلور الملح على سطح الرسوم، وكذلك بين سطح الصخرة  وطبقة المِلاط. وأخيرا حددوا الأمكنة التي تعرضت لترميمات سابقة، وهي التي جرى فيها تنقيح retouching الرسوم وسد الثقوب وترميم الظهارة باستعمال الشاش والشريط اللاصق.

 

وبمجرد الانتهاء من إجراء مسح للحالة العامة شرع<P. مورا>[كبير مسؤولي الصيانة في المعهد المركزي للترميم بروما]، وزوجته<L.مورا>، بالعمل المضني لصيانة الرسوم. فقد بدأ الزوجان مورا ورفاقهما بجمع عينات دقيقة من الأصباغ، وكذلك عينات من المِلاط الموجود تحتها. وبفضل المعدات المتقدمة والتقنيات الحديثة (التي تتضمن انعراج الأشعة السينية، فَلْورة الأشعة السينية والفحص المجهري باستخدام الضوء المستقطب، وكروماتوگرافيا الغازات والسوائل)، فإن العلماء لم يحتاجوا إلا إلى عينات صغيرة جدا لتحديد التركيب الكيميائي للمواد. وبمجرد معرفة المكونات، استطاع الباحثون تحديد أفضل الطرق لإنقاذ الرسوم القديمة وتثبيتها. وفي غضون ذلك قاموا بمنع المزيد من التدهور بوضع شرائط من ورق قلف التوت الياباني(1) على المِلاط بحيث تمنعه من السقوط عن الجدران، ومن السهل إزالة هذه الشرائط عند الشروع بالعمل الفعلي.

 

لقد اكتشف الباحثون أن الأصباغ كانت تمثل بصدق عصر نفرتاري (ولم يكن ذلك مفاجأة)، فقد ضمت: الأخضر المصري، والأزرق المصري (كوپروريڤيتcuprorivaite)، والأحمر من أكسيد الحديد مع مقادير ضئيلة من المنگنيز والزرنيخ، والمغرة ocher للأصفر، والكلسايت calcite والأنهيدرايت anhydrite والهونتايتhuntite للأبيض، ومسحوق الفحم النباتي للأسود؛ أما المادة الوسيطة bindingmedium  التي تربط الأصباغ ببعضها فقد كانت في معظمها من الصمغ العربي، وهو راتنج طبيعي من أشجار الأكاثيا المحلية. ولقد وجد العمال أيضا أن بعض الرسوم قد دهنت براتنج الأشجار مع بياض البيض، إضافة إلى أن نوعين من الراتنج الصناعي الحديث قد ظهرا في التحليلات المختبرية، مما يشير إلى أن بعض الترميمات غير الموثقة قد أجريت سابقا. وكانت طبقة المِلاط تتكون من الجبس والأنهيدرايت وطمي النيل المخلوط فيه بعض الحجر الجيري المجروش. وقد استخدم قش الحنطة في تقويتها وربطها، إضافة إلى حمايتها من التشقق عند الجفاف.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H02_00251.jpg

 

وقد شرع أعضاء الفريق في العمل بمجرد أن عرفوا مع ماذا يتعاملون. ففي 469 يوما موزعة على خمس سنوات قاموا بتنظيف الرسوم وإزالة بلورات الأملاح من سطح الصخر ومن تحت المِلاط وإعادتها مرة أخرى إلى مكانها باستخدام لاصق صناعي مخلوط برمل محلي وبمسحوق الجبس، كما قاموا بإعادة لصق رقاقات من الدهان. أما في الأمكنة التي فسدت فيها المادة الوسيطة (الأصلية) فقد أضافوا مركبا كيميائيا يسمى أكريليك كوپوليمر لوقف المزيد من التقوض. وقد ملأ أعضاء فريق العمل الثقوب بوساطة مونة الجير، وأزالوا الترميمات السابقة التي كانت قد أجريت بصورة سيئة.

 

ولقد كان من المسائل المهمة والحرجة أن لا تؤثر هذه الأعمال في الألوان الأصلية، ولذلك فإنه قبل مجرد البدء بأي من أعمال الصيانة هذه، قام<M.شيلينج>[من معهد جيتي لصيانة الآثار]بإجراء 1500 عملية قياس لوني في 160 موقعا في جميع أنحاء المقبرة. لقد استخدم جهاز كروموميتر (مقياس اللون)[من نوع مينولتا CR-121]لقياس النُّقبة(2) hue بالضبط. إن هذه السجلات ساعدت على ضبط العملية عن طريق التأكيد على أنه تم الالتزام بالألوان الأصلية ولم يحدث انحراف عنها، كما أنها سوف تساعد أيضا على الرصد المستمر لحالة الرسوم.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H02_00252.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H02_00253.jpg

إن بلورات الملح، التي تكونت نتيجة لرشح المياه من الحجر الجيري الذي نحتت فيه المقبرة، دفعت المِلاط plaster بعيدا عن الصخرة الأم وأتلفت نسبة كبيرة من الرسوم قبل أن يبدأ المرممون عملهم (الشكل العلوي). لقد فشلت محاولات ترميم سابقة في وقف التلف عن طريق تثبيت المِلاط في مكانه باستعمال الشاش (الشكل السفلي)؛ أما في هذه المرة فإن العمل متقن، إذ أزال المرممون بلورات الملح وأعادوا تثبيت المِلاط في الجدران ثم قاموا بتنظيف الرسوم (في اليمين).

 

تجنب الأملاح

أما بخصوص مستقبل هذه الرسوم فإن الاهتمام يتركز على أكثر التهديدات وضوحا، وهو الملح. فعندما بدئ العمل بالمقبرة، اكتشفت طبقات ملحية سمكها 15 مليمترا (0.6 إنش) تحت سطح المِلاط، بحيث دفعته بعيدا عن الحائط. ومصدر الملح هو الحجر الجيري الطيبي Theban الذي يمثل الرسوبيات البحرية التي نحتت فيها المقبرة. وليس الملح بالمشكلة الكبيرة في معظم المقابر، لأن مناخ مصر الشديد الجفاف يساعد على حفظ فعّال يصون المومياوات والمقتنيات الأثرية في حالة سليمة. ولكن موقع مقبرة نفرتاري حوى بعض المصادر المائية التي أذابت الملح وجعلته يتحرك.

 

والآن وبعد سنوات من الدراسة، مازال العاملون في المشروع مختلفين حول مصدر هذه المياه بالتحديد. فمن الواضح أن جزءا من الماء مصدره طبقة المِلاط المبللة التي استعملها رسامو الملك رمسيس أنفسهم. ولكن هذه الرطوبة لا يمكن أن تكون قد تسببت في تكوين طبقات سميكة من البلّورات. والتفسير الأكثر احتمالا هو هطول الأمطار التي وإن كانت نادرة (تسقط نحو مرة واحدة كل خمسين عاما في المتوسط)، إلا أنها غزيرة جدا. فكثير من المقابر في المنطقة، بما في ذلك تلك الموجودة في وادي الملوك، داهمتها السيول بصورة متكررة عبر التاريخ. ورشح الرطوبة واضح في مقبرة نفرتاري، وبخاصة في مدخلها. ومن المحتمل أن المياه قد رشحت ببطء عبر الشقوق، واستخلصت (أذابت) الملح من الصخر خلال حركتها، ثم خلفت الملح وراءها وعلى السطوح المرسومة عندما تبخرت من على الجدران.

 

ولكي نرصد الرطوبة النسبية ودرجات الحرارة فإن أحدنا (ميكاوا) قام بتسجيل بيانات كل من المناخ الخارجي والمناخ الدقيق microclimate داخل المقبرة، على مدى عدة أعوام وفصول. وقد وجد أن درجة الحرارة الخارجية تراوحت ما بين 40 درجة مئوية (104 فهرنهيت) في فصل الصيف و10 درجات مئوية (50 فهرنهيت) في الشتاء، كما تذبذبت الرطوبة النسبية الخارجية ما بين 80% في الشتاء و10% في سائر العام. وهذه الظروف الخارجية يمكن أن تؤثر في المقبرة بسبب التسرب عند المدخل، ولكن في معظم الأجزاء فإن درجة الحرارة الداخلية بقيت عند نحو 29 درجة مئوية، في حين ظلت الرطوبة النسبية مستقرة عند 50%. ولاحظ ميكاوا أنه كانت هناك تهوية طبيعية في فصل الشتاء: فالهواء الأكثر برودة يدخل المقبرة على مستوى الأرضية، ويدفع الهواء الدافئ خارجا من خلال درج المدخل. وقد تسببت هذه الحركة في بقاء الرسوم وطبقة المِلاط جافة، غير أن نسبة الرطوبة ترتفع بحدة عندما يدخل الزوار.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H02_00254.jpg

إن الرصد البيئي بالغ الأهمية للحفاظ على مستقبل الرسوم. فقد استخدم<Sh.ميكاوا>نظاما يعمل بالطاقة الشمسية لدراسة المناخ الدقيق في المقبرة (في اليسار)، ووجد أن عدد الزوار يجب أن ينظم بعناية حتى لا تتسبب الحرارة والرطوبة في تنشيط نمو البلورات الملحية مرة أخرى. ولا يسمح لأكثر من 150 زائرا في اليوم الواحد (في الأسفل).

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H02_00255.jpg

 

كان لا بد لميكاوا من أن يأخذ في حساباته حقيقة أن موسم السياح يصل ذروته في المقام الأول خلال الصيف، وذلك عندما لا يدور الهواء عائدا إلى الخارج، مما يؤدي إلى احتباس الرطوبة داخل المقبرة. وكلما زادت الرطوبة والعرق داخل المقبرة، زاد احتمال نمو الكائنات الدقيقة microflora (مثل أنواع البكتيريا والعفن) على سطح الرسوم، فتتلفها، وكذلك احتمال بدء تشكل بلورات الملح مرة أخرى.

 

وإضافة إلى رصد درجات الحرارة والرطوبة النسبية كان على ميكاوا أن يتعقب مستوى ثنائي أكسيد الكربون بعناية؛ فنظرا لضعف التهوية الطبيعية للمقبرة، فإن هذا الغاز لا يتحرك بسهولة خارج المقبرة، وبذلك يمكن أن يشكل أخطارا صحية على السياح. كما أن ثنائي أكسيد الكربون يمكن أن يتفاعل مع الرطوبة في الهواء ليكوّن حمض الكربونيك، الذي يتسبب في ضياع ألوان اللوحات الجدارية. وقد وجد ميكاوا أن تراكيز الغاز التي تبلغ 340 جزءا في المليون PPM)  3) في الوضع الطبيعي قد ارتفعت إلى 2500 جزء في المليون عندما زار السياح المقبرة. ولأسباب صحية فإنها يجب أن لا تتعدى 1000 جزء في المليون.

 

وبأخذ كل هذا في الاعتبار، قام خبراء هيئة الآثار المصرية (المجلس الأعلى للآثار الآن) بتصميم نظام يفترض أن يحمي المقبرة، في حين يسمح للزوار برؤيتها. فقد قاموا بتركيب إضاءة لا تولد إلا قليلا من الحرارة، وأقاموا نظام تهوية يسحب الهواء خارج المقبرة، ويسمح بدخول هواء جاف غير مرشح من الخارج لاستبداله بالهواء الرطب الناجم عن تنفس الزوار. ومنذ أواخر سنة 1995، سمح بالزيارة لنحو 150 شخصا بحد أقصى في اليوم الواحد، في مجموعات من 10 أو 15 فردا ولمدة لا تزيد على 15 دقيقة. (إن الزائر الواحد يدفع 30 دولارا، مما يوفر حصيلة سنوية تبلغ نحو مليون ونصف المليون دولار للحكومة المصرية). وحتى الآن فإن التأثير الوحيد الملحوظ نتيجة لتدفق الزوار هو جلب التراب، الذي استقر على الرسوم وطمسها بعض الشيء.

 

وعلى الرغم من هذا الرصد الدقيق، فإن الضرر المحتمل الناتج من هؤلاء الزوار، يجب أن يؤخذ في الاعتبار بكل عناية ويتم تقييمه دوريا. وعلى الرغم من أن الناس ينبغي أن تكون لهم الحرية في مشاهدة هذه الرسوم الجميلة، والعبور إلى ماضينا من خلال هذه البوابة، فإنه لا بد من إيجاد توازن ـ وهي مهمة شاقة لا تقتصر على مقبرة نفرتاري، بل تتعداها إلى جميع المواقع الأثرية. ونظرا لأن التلف غير عكوس، وذو طبيعة تراكمية، ولأنه يبدو أن في قدرتنا أن ندمر في بضعة عقود تراثا استمر آلاف السنين، فقد لا يكون من الصواب السماح للجميع من دون استثناء بالدخول إلى حيث يريدون. وفي النهاية، فإن هذا هو ما أراده رمسيس الثاني لزوجته: مقاما هادئا بمعزل عن الناس.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H02_00256.jpg

إن الرسوم الجدارية مصانة تماما الآن، وتظل صور الملكة نفرتاري في رحلتها إلى العالم الآخر نابضة بالحياة. ويتوقف استمرار بقياها على إيجاد توازن دقيق بين السماح بزيارة العامة وتوفير حماية للرسوم.

 

المؤلفان

Neville Agnew – Shin Maekawa

عملا معا في معهد جيتي لصيانة الآثار (G.C.I) بلوس أنجلوس، وتعاونا في عدة مشروعات أثرية في أنحاء العالم. أكنيو الحاصل على الدكتوراه في الكيمياء هو رئيس الفريق لشؤون المعلومات والاتصالات في معهد جيتي. أما ميكاوا فهو باحث أول في المعهد ومتخصص في الرصد البيئي والتحكم في المناخ الدقيق وقام ميكاوا بتطوير خزانات العرض الخالية من الأكسجين التي تستخدم في حفظ المومياوات الملكية في المتحف المصري بالقاهرة.

 

مراجع للاستزادة 

THE GREAT BELZONI: ARCHAEOLOGIST EXTRAORDINARY. Stanley Mayes. Walker, 1961.

ART AND ETERNITY: THE NEFERTARI WALL PAINTINGS CONSERVATION PROJECT 1986-1992. Edited by M. A. Corzo and M. Afshar. Getty Conservation Institute, Los Angeles, 1993.

DAILY LIFE IN ANCIENT EGYPT. Andrea G. McDowell in Scientific American, Vol. 275, No. 6, pages 68-73; December 1996.

HOUSE OF ETERNITY, THE TOMB OF NEFERTARI. John K. McDonald. J. Paul Getty Museum, Los Angeles, 1996.

Scientific American, October 1999

 

(*)Preserving Nefertatri’s Legacy

 

(1) Japanese mulberry bark paper: نوع من ورق الزخرفة، ذو سطح مبرقش، يصنع من قلف شجر التوت، ويستخدم في عمل الكليشيهات الخشبية وبطاقات المعايدة وفي أعمال الحفر. (التحرير)

(2) هو اسم اللون، كالأحمر أو الأصفر أو الأخضر أو الأزرق، كما نبصره ذاتيا. (التحرير)

(3)parts per million

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى