أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

العلاج الأفضل

 

 

العلاج الأفضل(*)

ثورة هادئة في أبحاث مقارنة الفعالية قد
تنقذنا من التصاعد الباهظ في التكاليف الطبية.

<Sh. بيگلي>

 

باختصار

  فاتورة متزايدة الثمن: من المتوقع أن تتجاوز تكاليف الرعاية الصحية في الولايات المتحدة 2.7 تريليون دولار أمريكي في عام 2011، وهي آخذة في الازدياد بمعدل غير مستدام. وتتمثّل إحدى الطرق لتوفير الأموال بعدم الإنفاق إلاّ على أساليب العلاج الأكثر فعالية.

عقبة في الطريق: إنّ إثبات أيّ من أساليب العلاج هو الأكثر نجاعة قد يكون إجراء باهظ التكاليف ويستغرق وقتا طويلا. إذ يغلب أن تتطلب الدراسات المعشاة – وهي أكثر الدراسات العلمية دقة من حيث المعايير- مئات الملايين من الدولارات.

حل معقول: يمكن لتحليل المعلومات الموجودة في السجلات الطبية لشبكات صحية ضخمة أن يكشف لنا أيّ أساليب العلاج هي الأكثر فعالية، بتكلفة لا تتجاوز جزءا ضئيلا من تكاليف الدراسات السريرية المعيارية.

حقيقـة سـياسـية: يتخوَّف الكثير من الأمريكيين من أنّ الحديث عن تخفيض تكلفة الرعاية الصحية سيقود إلى التقنين. ولكن من ذا الذي يرغب في إنفاق الأموال على شيء لا فائدة منه؟

 

 

كانت أكبر دراسة في مجال معالجة ارتفاع ضغط الدم وأكثرها أهمية، ذات تكاليف ضخمة جدا تصعب مضاهاتها. فقد أدرج فيها أطباء الولايات المتحدة الأمريكية 42 418 مريضا من 623 عيادة خاصة ومركزا صحيا، وعالجوا المرضى المشاركين فيها بواحد من أربعة أدوية يشيع وصفها، ومن ثم تابعوهم مدة لا تقل عن خمس سنوات كي يروا مدى ضبط تلك الأدوية لضغط الدم وتخفيضها لخطر الإصابة بالذبحات القلبية أو بالسكتات الدماغية أو بغير ذلك من مشكلات القلب والأوعية الدموية. وقد استوفت هذه الدراسة أعلى معايير البحث الطبي: فلم يعرف الأطباء ولا المرضى مَن الذي وُضع في أيّ من مجموعات المعالجة، كما تساوت فرص إدراج المرضى في أي من تلك المجموعات. ومثل هذه التجارب المعشاة(1) randomized controlled trials كانت منذ وقت طويل هي الطريقة المُثلى لتحديد سلامة وفعالية الأدوية وأساليب العلاج الأخرى. وقد أُطلق على هذه الدراسة الاسم المختصر(2) (ALLHAT) «تجربة المعالجة بأدوية ضغط الدم والأدوية الخافضة لدهون الدم من أجل اتقاء الذبحات القلبية»، وبلغت تكلفتها 120 مليون دولار أمريكي تقريبا، واستغرق استكمالها ثماني سنوات.

وكانت النتائج التي أعلنت في الشهر 12/2002 مذهلة: فالأدوية الأقدم والأرخص ثمنا – والمعروفة بالمدرّات الثيازيدية thiazide-type diuretics – كانت أكثر فعالية في خفض ضغط الدم من الأدوية الأحدث والأغلى ثمنا. إضافة إلى ذلك، كانت الأدوية المدرّة للبول – التي تعمل بواسطة تخليص الجسم من السوائل الفائضة – الأفضل لتقليل خطر الإصابة بتوقف القلب أو الإدخال إلى المستشفى أو الإصابة بسكتة دماغية. وهكذا اتّضح أنّ الدراسة ALLHATتستحق التكاليف التي بُذلت لإجرائها، حسب تصريح المعهد الوطني للقلب والرئة والدم (NHLBI) الذي قام بتلك الدراسة. فلو كان الأطباء قد وصفوا لمرضاهم الأدوية المدرّة لـمعالجة فرط التوتّر الشرياني بدلا من وصف الأدوية الأغلى ثمنا، لكانت الدولة وفّرت 3.1 بليون دولار أمريكي لكل عقد من تكاليف الأدوية الموصوفة فقط، ومئات ملايين الدولارات نتيجة تلافي علاج السكتات الدماغية وعمليات استبدال الشرايين التاجية coronary artery bypass وغيرها من المشكلات الناجمة عن ارتفاع ضغط الدم.

ولكن ماذا ينبغي على المرضى أن يفعلوا إذا لم ينضبط ضغط الدم لديهم بالمدرّات فقط، كما حدث لدى 60% من المرضى الذين شاركوا في الدراسةALLHAT؟ وإلى أيّ دواء ينبغي أن يلجؤوا ؟ لقد كانت هذه هي الدراسة المنطقية التالية التي يتعين القيام بها، ولكن لم يكن المعهد NHLBI قادرا على أن يتحمَّل تكاليف إجراء دراسة أخرى معشّـــاة لمعرفــــة الجــواب. وهنــا تراءت لـ<J .D. مجيد> فكرته الكبيرة. فمن موقعه كمدير للأبحاث في مجموعة كولورادو پيرمانينت الطبية – التابعة لمنظمة كايزر پيرمانينت(3)  الضخمة  للرعاية الصحية – كان <مجيد> يقدر تقديرا عاليا الدراسات السريرية الكلاسيكية مثله مثل أي عالِم آخر. ولكنه اعتقد أن هناك طريقة للحصول على نتائج بالدرجة نفسها من التمحيص من دون المضي في دراسات طويلة الأمد وباهظة التكاليف لإجراء التجربة اللازمة. فعوضا عن ذلك، رأى <مجيد> أنه يستطيع أن يتفحَّص آلاف السجلات الصحية الإلكترونية في قاعدة بيانات كايزر لاكتشاف أيّ الأدوية الخافضة للضغط نجحت على أفضل وجه عندما فشلت المدرّات في إحداث التخفيض المطلوب في ضغط الدم.

حصل <مجيد> على الجواب عن سؤاله خلال سنة ونصف، وبتكلفة لم تتجاوز 000 200 دولار أمريكي، وهو جزء زهيد من التكاليف المتوقعة لإجراء دراسة سريرية. فقد كان لمجموعتين أخريين من أدوية القلب – يطلق عليهما مثبّطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين(4) (ACE) وحاصرات بيتا – تأثيرٌ متساو من حيث الفعالية كخط ثان من العلاج، حسبما أعلنه <مجيد> وزملاؤه في التقرير الذي نشروه عام 2010. فبإمكان الأطباء أن يصفوا أيّا من الدواءين للمرضى الذين لم يُعالج الضغط لديهم بالمدرّات وحدها. يقول <مجيد>: «إنّ الدراسات المعشّاة باهظة التكاليف وتتطلب وقتا طويلا، فلا سبيل لتطبيقها على جميع الأسئلة المهمة التي ينبغي الإجابة عنها. واستخدام السجلات الصحية [لإجراء مقارنة بين أساليب العلاج] يقدم لنا طريقة عملية بديلة.»

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_15_a.jpg

 

حقائق صعبة(**)

إنّ <مجيد> هو أحد الروّاد في حركة – يتزايد تأثيرها – تهدف إلى تغيير الطريقة التي يُقرِّر بواسطتها الأطباء والباحثون أيَّ الأدوية أو العمليات الجراحية أو أساليب العلاج الأخرى هي الأفضل لعلاج مرض أو اضطراب ما. ويُدعى ذلك رسميا بأبحاث مقارنة الفعالية(5) (CER)، وهي تحدِّد بطريقة علمية أيّ أساليب العلاج ناجح وأيّها فاشل. ويسهل في العادة فهم هذه المقاربة عند إجراء مقارنات مباشرة بين أدوية مختلفة أو بين المعالجة الدوائية والمعالجة الجراحية. إلاّ أنّ مناهجها صارت تُستخدَم لتقييم نطاق واسع من التدخلات، كثيرٌ منها لا علاقة له بالأدوية، مثل معرفة ما إذا كانت البرامج الصحية الاجتماعية التي تقدم المساعدات في مجال النقل والسكن أكثر فعالية في إبقاء المسنين والمسنات الواهنين خارج المستشفيات مقارنة بالبرامج التي تركِّز على خدمات طبية تقليدية أكثر.

وتنشأ الحاجة إلى المزيد من التدقيق بفعل التحدّيات الطبية والاقتصادية الملحّة. فالحاجة الطبية إلى أبحاث مقارنة الفعالية تنجم عن حقيقة أن عددا قليلاً من المرضى فقط يعرف – وعددا أقلّ من الأطباء يقرّ – بأن الأساس العلمي للعديد من أساليب العلاج كثيرا ما يكون ضعيفا جدا أو حتى معدوما. فعلى سبيل المثال، إنّ ما يزيد على نصف عدد الدلائل الإرشادية التي تصدرها الجمعية الأمريكية للأمراض المعدية تستند فقط إلى «آراء الخبراء»، وليس إلى بيانات مقارنة فعلية ناهيك عن الدراسة السريرية. «فهناك فجوة بين ما يُعمل به أثناء الممارسة وما قد أظهره العلم»، على حد قول <A .E. ماكگلين> [المديرة الجديدة لمركز كايزر لأبحاث الفعالية والسلامة]. وتضيف أنّ الأطباء السريريين يشتكون في الوقت نفسه من أنّ الدراسات العلمية لا يمكن في غالب الأحيان تطبيقها بسهولة على الواقع الفعلي.

كما أن الدوافع الاقتصادية لإجراء أبحاث مقارنة الفعالية هي على الدرجة نفسها من الأهمية. فلسنوات قارنت عدّة خطط صحية – كل على حدة – تكاليف ونتائج أساليب العلاج المختلفة بهدف تقليص الميزانيات المخصّصة لها، ومع ذلك فقد كان من المتوقع أن تصل نفقات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 2.7 تريليون دولار أمريكي في عام 2011. وقد يبدو هذا المبلغ ثمنا معقولا يُدفَع مقابل الحصول على أمر يحظى بتقدير المستهلكين (حتى ولو تقزّمت أمامه النفقات الأخرى، مثل الـ 671 بليون دولار أمريكي التي سينفقها البنتاگون في السنة القادمة). ولكنّ نفقات الرعاية الصحية غير الضرورية تعني تقليل الأموال المتوافرة للاستثمار والتعليم والأبحاث وغيرها من الاحتياجات الوطنية الأخرى. تقول <ماكگلين>: «إنّ مقدارا يصل إلى ثلث إنفاقنا [الطبي] يُصرَف على رعاية غير فعّالة أو غير ضرورية»، أي ما يقارب 900 بليون دولار أمريكي كل عام. (على سبيل المقارنة، وفقا لتحليلات أعدَّها مكتب الكونگرس للميزانية في عام 2009 فإنّ الإصلاحات في مجال سوء الممارسة يمكن أن توفِّر نحو 54 بليون دولار أمريكي على مدى 10 سنوات). وتتابع <ماكگلين> قائلة: «إننا لا نحتمل تكلفة إنفاق الأموال على أمور لا فائدة منها»، لاسيما عندما تهدِّد الفواتير الباهظة التي تدفعها الأمة نظير الرعاية الصحية بإسقاط حكومات الولايات والحكومات المحلية وكذلك المؤسسات التجارية وبرنامج المساعدة الطبية مِديكير(6) Medicare، التي هي «الطرف الثالث» الذي يدفع معظم هذه التكاليف الطبية. ففي نطاق الجهود التي تبذل لتوفير الأموال من خلال ضمان عدم إنفاق الدولة إلاّ على أساليب العلاج الناجعة، خصَّص مشروع قانون التحفيز الاقتصادي لعام 2009 مبلغ 1.1 بليون دولار أمريكي لأبحاث مقارنة الفعالية.

هذا مبلغ ضخم، ولكنه مجرد مبلغ زهيد إذا ما قورن بتكاليف هذا النوع من الأبحاث – على الأقل بالنسبة إلى النمط التقليدي من أبحاث مقارنة الفعالية الذي يستخدم التجارب السريرية ليميِّز الأساليب العلاجية التي تفيد المرضى من تلك التي لا تفيدهم – وبمقدار الحاجة إلى هذه الأبحاث. حدّد تقرير أصدره عام 2009 المعهدُ الطبي(7)، وهو جزء من الأكاديميات الوطنية، بسهولة 100 سؤال عن الفعالية النسبية التي تحتاج إلى الإجابة عنها. وعند القيام بعملية ضرب 100 سؤال ببضع مئات من ملايين الدولارات لكل سؤال، فإنّ الحصيلة ستكون مبلغا «لا يمكن دفعه». ومن هنا كانت الحاجة إلى أسلوب جديد أقل تكلفة لأبحاث مقارنة الفعالية مثل أسلوب <مجيد>، الذي يستغلّ أدوات تقانة المعلومات الأكثر حداثة، بدءا من التنقيب في قواعد البيانات للشبكات الصحية الضخمة المتكاملة مثل قاعدة بيانات كايزر وانتهاء بالنمذجة الرياضياتية المتطورة للأمراض، وذلك بهدف اكتشاف ما هو الناجع مع إنفاق جزء يسير من تكاليف الدراسات المعشّاة.

إنّ ارتفاع تكاليف الدراسات السريرية ليس الدافع الوحيد وراء التغيير الجذري الذي يجري حاليا في أبحاث مقارنة الفعالية. فالأبحاث الجديدة تَعِدُنا بالحصول على معلومات أفضل: بيانات أكثر فائدة في الممارسة السريرية من تلك البيانات المستقاة من الدراسات التقليدية.

ويكمن السبب وراء ذلك في أنّ الدراسات السريرية تميل إلى إدراج أشخاص أصغر سنا وأفضل صحة وأكثر قابلية للالتزام بتناول الأدوية الموصوفة لهم، كما أنّ هؤلاء الأشخاص المشمولين بالدراسة يخضعون لمراقبة لصيقة من قبل الأطباء أكثر من تلك التي يتلقاها المريض العادي. ولذلك يحاجج بعض الأطباء في أنّ نتائج الدراسات ربما لا تنطبق على المرضى الأكبر سنا والأشد مرضا والأقل امتثالا من مثل أولئك الذين يعالجونهم بالفعل. إضافة إلى ذلك، فإنّ الدراسات المعشاة(8) التقليدية تقيّم الكفاءة efficacy، التي تتمثل بقياس نتائج أفضل الحالات، أي تكون في العادة تقييما لمقياس مثالي لمنافع الدواء أو العلاج. ولكن في المقابل، فإنّ ما يهمّ معظم الأطباء هو الفاعلية effectivenessالتي تعني مدى نجاعة علاج ما في المرضى الحقيقيين في ظروف الحياة الفعلية. ونتيجة لذلك يمكن للأطباء أن يتغاضوا – وبالفعل يتغاضون – عن النتائج التي تُستخلَص من الظروف المثالية للدراسات السريرية المعشّاة كونها لا تنطبق على مرضاهم. وعلى سبيل المثال، فقد وجدت دراسة أجريت في عام 2009 أنه على الرغم من نتائج الدراسة ALLHAT فإن المدرّات لا تشكل إلاّ 366% فقط من أولى الوصفات الدوائية لمعالجة فرط التوتر الشرياني، وهذا يعكس إلى حدّ ما الاعتقاد السائد لدى بعض الأطباء بأنّ تلك النتائج لا تنطبق على مرضاهم. فيرى <مجيد> أنه لو قامت دراساتٌ – مستندة إلى معايير صارمة الدقة – بتقييم مدى فعالية التدخلات العلاجية المختلفة في الظروف الواقعية، فإنّ عددا أكبر من الأطباء سيلتزمون على الأرجح بنتائج هذه الدراسات في ممارساتهم السريرية.

وكما هي الحال في أيّ تغيرات رئيسية في الكيفية التي تُقدَّم بها الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، ينظر الناقدون بتوجّس إلى أبحاث مقارنة الفعالية، إذ ينتابهم القلق من أنها قد تحدّ من استقلالية الأطباء ومن الخيارات المتاحة للمرضى. ولكن مع تطوير هذا الميدان لطرق تتّسم بالدقة الصارمة والكفاءة للإجابة عن أهمّ سؤال قد يطرحه أيّ مريض أو طبيب، ألا وهو: ما هو الناجع؟ فإنّ أبحاث مقارنة الفعالية ستؤدي بشكل حتمي دورا متناميا وحاسما في الرعاية الصحية على كل من الصعيد الفردي وتشكيل السياسات العامة.

في منجم البيانات(***)

لحسن الحظ فإنّ الحاجة إلى العثور على طرق رخيصة التكاليف لإجراء أبحاث مقارنة الفعالية والحصول على نتائج تنطبق على المرضى في الظروف الفعلية قد تزامنت مع تغيّر جوهري آخر في الرعاية الصحية: وهو انتشار السجلات الطبية الإلكترونية. فتحتفظ منظمة كايزر پيرمانينت بسجلات 8.6 مليون شخص إلكترونيا. ولدى اتّحاد جديد يضم ست مؤسسات طبية – من بينها كليڤلاند كلينك ومايو كلينك – عشرة ملايين سجل إلكتروني. كما تتكفَّل إدارة المحاربين القدماء(9)  – وهي من المؤسسات الرائدة في السجلات الصحية الإلكترونية وكذلك في أبحاث مقارنة الفعالية – برعاية أكثر من 66 ملايين من المحاربين القدماء كل عام. ومن الأمور المهمة جدا، أنّ سجلات المؤسسات الطبية كانت في جميع الحالات أكثر كمالا ومن ثمّ أكثر فائدة من البيانات التقليدية في مطالبات برنامج المساعدة الطبية مِديكير، والتي تفتقر في غالب الأحيان إلى تفاصيل مهمة جدا عن المريض. وقد أطلقت المؤسسات الثلاث – كايزر والاتحاد السداسي الأطراف وإدارة المحاربين القدماء – برامج للتنقيب في هذه السجلات، فمثلا مراجعة سجلات جميع المرضى المصابين بالداء السكري من النمط 2 وتحديد أســاليب العلاج التي تلقّوها ومقارنة النتائج المتحصلة. يقول<V .J. سيلبي> [مدير قسم الأبحاث في كايزر]: «بوجود قواعد البيانات الكبيرة هذه والمعلومات السريرية المفصَّلة، يمكننا إجراء بحث لمقارنة الفعالية في الظروف الواقعية، وعبر طيف كامل من المرضى، وليس فقط أولئك الذين اُختيروا من أجل الدراسات السريرية.»

 

[سياق عالمي]

هل نحصل على مقابل ما ندفعه من أموال؟(****)

  في حين أنّ معظم البلدان الصناعية تكافح لمجابهة الارتفاع في تكاليف الرعاية الصحية، بدأ الإنفاق الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية بالصعود الحاد في ثمانينات القرن العشرين ليصل إلى درجة أعلى من أي دولة أخرى في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD).

  أكثر البلدان إنفاقا: تدفع الولايات المتحدة الأمريكية مقابل تقديم الرعاية الصحية لكل فرد أكثر مما يدفعه أيّ بلد آخر من بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية…

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_17_a.jpg

  … ولكنّ تتراجع مرتبة الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلَّق بالمؤشرات الصحية مثل العمر المتوقع(10) (تحتلّ المملكة المتحدة المرتبة  الوسطى)

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_17_b.jpg

 

 

إنّ إجراء تحليل يشمل ملايين المرضى بدلا من الـمئات أو الآلاف في الدراسات السريرية التقليدية يعني أيضا أنّ النتائج من الممكن أن تكون أكثر متانة إحصائيا، أي إنها أقل احتمالا أن تكون نتائجها صدفة. وهناك ميزة أخرى للتنقيب في سجلات المرضى: وهي أنها تتضمَّن الأطفال والنساء في سن الإنجاب، إذ تُمنَع هذه الفئات في غالب الأحيان من الاشتراك في الدراسات السريرية، إذ يُعتقد أن مخاطر ذلك تفوق الفوائد المتوقَّعة.

للوهلة الأولى قد يبدو التنقيب في قواعد البيانات بحثا عن المعلومات شبيها بإجراء دراسة رصد من النمط القديم، وهي دراسة كان الباحثون يجدون فيها مجموعة من المرضى صدف أنها تخضع لعلاج ما، كما يعثرون على مجموعة أخرى إما تخضع لعلاج آخر أو لا تتلقّى أيّ علاج. وعلى النقيض من ذلك تقوم الدراسات المعشّاة بتخصيص أي المرضى يتلقون علاجا أو علاجا آخر مختلفا. وقد نتجت من دراسات الرصد منافع هائلة للصحة العامة (منها على سبيل المثال إظهار أنّ تدخين السگائر قادر على إحداث سرطان الرئة)، ولكنّها قد تكون مضلِّلة أيضا. فعلى سبيل المثال، كانت الدراسات التي توصلت إلى الاستنتاج بأنّ العلاج الهرموني الطويل الأمد للنساء الأكبر سنا واللواتي بدأ مستوى الإستروجين لديهن بالهبوط قبيل انقطاع الطمث، قد قلّل من خطر إصابتهن بأمراض القلب، إضافة إلى إحداثه تأثيرات مفيدة أخرى، هي دراسات رصد. وفي الحقيقة، أظهرت مبادرة صحة المرأة(11) عام 20022، وهي دراسة معشّاة لتحديد احتمال(12)، أنّ تعويض الهرمونات لا يقي من أمراض القلب، بل يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بالسكتة الدماغية وبسرطان الثدي. فقد كانت المشكلة هي أن النساء الخاضعات للعلاج بالتعويض الهرموني في دراسات الرصد كُنَّ مختلفات في نواح مهمة عن اللواتي لم يتلقين ذلك العلاج (وإن لم يكن هناك من سبب آخر للاختلاف سوى أنهن كن يعالجن تحت إشراف أطباء، فهذا سبب كاف). فهذه الاختلافات، وليس العلاج الهرموني بحد ذاته، كانت هي المسؤولة عن الانخفاض الظاهر في مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية لدى النساء المعنيات.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_18.jpg

 

واليوم يدرك روّاد استخدام السجلات الصحية في أبحاث مقارنة الفعالية تمام الإدراك أنهم يقومون بدراسات رصد. ولكنهم قد طوروا مناهج إحصائية ومنهجيات أخرى للحيلولة دون الوقوع في الأخطاء التي يمكن أن تفسد مثل هذه الأبحاث. وتتمثّل الخطوة الرئيسية بالتأكّد من أنّ نتيجة ما ليست ناجمة عن أمر يتعلق بالمريض وليس بالعلاج، كما كان عليه الحال في دراسات رصد تعويض الهرمونات. يقول <سيلبي>: «هناك على الدوام احتمال حقيقي بأنّ الأشخاص الذين يتلقون علاجا ما قد يختلفون في بعض النواحي عن الأشخاص الذين يتلقون علاجا آخر. ولأخذ ذلك في الاعتبار، نحتاج إلى بيانات شديدة التفصيل، ولدى منظمة كايزر پيرمانينت مثل هذه البيانات. فبإمكانها أن تبيّن لك ما إذا كان المرضى [في المجموعات موضع المقارنة] متماثلين بالنسبة إلى جميع الأغراض العملية، أو تسمح لك بإجراء تعديل إحصائي لأيّ من الاختلافات المتبقية.»

وسيبصر الأعمى(*****)

قام طبيب العيون <D. فونگ> [من المجموعة الطبية پيرمانينت في جنوب كاليفورنيا] باستغلال تلك البيانات للمقارنة بين علاجين يستعملان لعلاج الضمور الشبكي(13) المرتبط بالعمر age-related، وهو السبب الأول لتدهور البصر الشديد لدى الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الستين عاما. فمنذ عام 2004 والأطباء يستخدمون الدواء أڤاستين Avastin لمعالجة هذا المرض، وهو دواء لمعالجة السرطان تصنعه شركة گينينتيك. وإن كان هذا الاستخدام غير مذكور في النشرة الخاصة بهذا الدواء، وهذا يعني أنّ الشركة لم تحصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على هذا الاستخدام، ولكن كان من المسموح للأطباء على أي حال وصف هذا الدواء. وفي عام 2006 أقرّت الإدارةFDA الدواء لوسينتيس Lucentis – أيضا من إنتاج گينينتيك – لمعالجة الضمور الشبكي. والدواءان أڤاستين ولوسينتيس متشابهان للغاية، إلاّ أنّ الدواء أڤاستين يكلّف 50 دولارا أمريكيا لكل جرعة مقارنة بـ2200 دولار أمريكي للدواء لوسينتيس. وهذا وضع الأطباء في مأزق : فهل يستمرون في استخدام أڤاستين من دون أن تتضمَّن النشرة المرفقة به ذلك، أم يحوّلون مرضاهم إلى الدواء لوسينتيس؟

كان <فونگ> يعلم أنّ القضية تستدعي بشدة إجراء مقارنة علمية. ولكنه قرَّر ألاّ يجري دراسة تمحيص احتمالات سريرية معشّاة طويلة الأمد وباهظة التكاليف. وبدلا من ذلك، قام هو وزملاؤه – بين عامي 2005 و 2008 – بإدراج 452 مريضا من مرضى كايزر في سجل منفصل، وهم جميع المرضى الذين لم يسبق علاجهم من قبل والذين صاروا يعالجون بدواء واحد فقط للضمور الشبكي. وأظهرت السجلات أنّ 324 مريضا عولجوا بالدواء أڤاستين، بينما عولج 128 مريضا بالدواء لوسينتيس، وهذه الأرقام تعكس التفضيلات الفردية للأطباء والمرضى، مقابل التعيين العشوائي الذي كان سيُستخدَم في الدراسة السريرية. ومع أن مجموعة مرضى الدواء أڤاستين كانت حدّة الرؤية عندهم أسوأ من المجموعة الأخرى عند بدء العلاج؛ وأنهم تلقّوا في المتوسط ما هو أقلّ بحقنتين على مدى 12 شهرا من المتابعة، فإنّ التحسُّن في حدّة الرؤية كان متساويا لكلا الدواءين، وذلك حسب التقرير الذي نشره العلماء عام 2009.

وتقصر دراسةُ رصدٍ كهذه عن تحقيق درجة الدقة الإحصائية لدراسة معشّاة. ولكنّ مثل بقية الباحثين الذين ينقّبون في السجلات الصحية للقيام بأبحاث مقارنة الفاعلية، استخدم <فونگ> وزملاؤه تقنيات إحصائية معيارية لتجنب أي تحيّز خفي عند انتقاء مجموعة الدراسة. كما تأكدوا من أنّ مرضى الدواء أڤاستين ومرضى الدواء لوسينتيس كانوا متشابهين من حيث العمر ودرجة تدهور الإبصار لديهم والعوامل الرئيسية الأخرى. ويجادل <فونگ> في أن النتائج تمتاز بالدقة العلمية وكذلك بكونها أكثر ملاءمة للأطباء المعالجين من نتائج الدراسات السريرية المعيارية. فيقول <فونگ>: «إنّ مجموعة الدراسة أكثر واقعية، فقد كان متوسط عمر المرضى 80 عاما تقريبا، ولم يكونوا يخضعون للتدقيق والرعاية المكثَّفة التي يتلقاها المشاركون في الدراسات السريرية. فلم نستبعد أيّ فرد، وهذا يجعل من الصعب على الأطباء القول (هذا لا ينطبق على مرضاي).» وفي الواقع تؤيد نتائج السنة الأولى لدراسة معشّاة للدواءين أڤاستين ولوسينتيس – نشرت على الإنترنت في مجلة نيو إنگلاند للطب في الشهر 4/2011 – ما توصَّل إليه <فونگ> أيضا.

فهم صحيح للإحصاءات(******)

يطوّر العلماء الذين يجرون أبحاث مقارنة الفعالية CER بالاعتماد على السجلات الطبية الإلكترونية عددا من التقنيات لضمان السلامة الإحصائية لنتائجهم. والأمر الأكثر أهمية هنا هو التأكّد من تكافؤ المرضى الموجودين في مجموعتين أو أكثر من مجموعات المقارنة، مثلا مجموعتان تتناولان الدواءين أڤاستين ولوسينتيس، أو حاصرات بيتا ومثبّطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين. ولتحقيق ذلك، يقوم الباحثون بتحليل الدرجات التي يحرزها عدد من المتغيرات ( وليس من غير المألوف أن يصل عدد المتغيرات إلى 100 متغير) يمتدّ نطاقها من البيانات الاجتماعية الاقتصادية إلى نتائج الفحوص المختبرية، كي يتبيَّنوا ما إذا كان متغير واحد أو أكثر أكثر شيوعا لدى أولئك المرضى الذين يتلقّون علاجا ما وليس الآخر. وعند أخذ مثل هذه المتغيرات بالحسبان – كما يشرح <سيلبي> – «سنكون بالنتيجة نقارن بين أشخاص لديهم الاستعداد نفسه لتلقّي أيّ من العلاجين، ولكنهم في الواقع سيتلقون علاجا واحدا دون الآخر». وهكذا يتمّ استبعاد احتمال الوقوع في خطأ على شاكلة حالة العلاج بتعويض الهرمونات، حيث كان تلقي العلاج في حقيقة الأمر علامة على إمكانية الحصول على رعاية صحية أفضل.

وعلى سبيل المثال، قام <مجيد> في دراسته للأدوية الخافضة لفرط التوتر الشرياني بتحليل السجلات الطبية لتمييز المرضى الذين ربما لا يتساوون من حيث احتمال استعمال كلا الدواءين؛ أي مثبّطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسينACE أو حاصرات بيتا، من مثل المرضى الذين قد تكون لديهم حالة قائمة تتعارض مع استعمال أي من هذين الدواءين. يقول <مجيد>: «لقد استبعدنا تلك الحالات، وتبقى فقط المرضى الذين يتساوى احتمال إعطائهم مثبّطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين أو حاصرات بيتا». وبعد ذلك حدّد <مجيد> المرضى ذوي الخصائص الصحية المتشابهة، كي يخفِّض من احتمال أن تحيد المقارنة بين الأدوية – مثلا – بسبب إعطاء أحد الأدوية لمصابين أشد مرضا.

يقول <مجيد>: «لقد جعلنا المجموعات تتساوى قدر المستطاع»، وذلك استنادا إلى العمر والجنس والحالات المصاحبة والعلامات الحيوية والنتائج المختبرية (وظائف الكُلْيَة على سبيل المثال) والعوامل الاقتصادية الاجتماعية مثل التعليم ومستوى الدخل. قرن >مجيد> كل امرأة بيضاء، وعمرها 54 سنة تركت الدراسة في المرحلة الثانوية، ولديها ضغط شرياني – في وضع الراحة – مقداره 150 على 80 في مجموعة المعالجة بحاصرات بيتا، لديها هاتان الحالتان المصاحبتان وتتناول ثلاثة أدوية معيّنة، قرنها (<مجيد>) بامرأة أخرى بيضاء البشرة، عمرها 54 سنة، تركت الدراسة في المرحلة الثانوية ولديها ضغط شرياني – في وضع الراحة – مقداره 150 على 80 في مجموعة المعالجة بمثبّطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين، ولديها الحالتان المصاحبتان نفساهما وتتناول الأدوية الثلاثة ذاتها. عندما انتهى <مجيد> من عمله، استطاع أن يقرن بشكل دقيق للغاية كل مريض يتناول المعالجة بالأدوية المثبّطة للإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين بمريض مقابل يتناول الأدوية الحاصرة بيتا. أمّا المرضى الذين لم يكن بالإمكان مضاهاتهم بهذه الطريقة، فلم يُشملوا بالدراسة.

لمّا كان تحليل السجلات الصحية المفصَّلة يعطي النتائج بسرعة أكبر بكثير من دراسات تمحيص الاحتمالات المعشّاة، فقد أنقذ حياة البعض من الموت. إذ استخدم <H .D. كامپن> [الاختصاصي بطب الروماتيزم في كايزر] هذه المنهجية، عندما ذكر له أحد الزملاء في الأوساط الأكاديمية وجودَ تلميحات في الدراسات التي أجريت على الحيوانات في المختبرات، بأنّ ڤيوكس Vioxx  – وهو  دواء يُستخدَم لتسكين الألم – قد يزيد من خطر الإصابة بالذبحات القلبية والسكتات الدماغية. ومن خلال تحليل سجلات مرضى كايزر، تحقّق <كامپن> وزملاؤه من ذلك الأمر بالضبط، وذلك قبل عدة شهور من سحب شركة ميرك للدواء ڤيوكس من الأسواق طواعية في عام 2004. وفي الواقع، كان عدد المرضى في كايزر الذين استخدموا الدواء ڤيوكس والأدوية المشابهة له – التي تُدعى مثبِّطات الإنزيم COX-2 – أقلّ من متوسط عدد المرضى الذي استعملوه على الصعيد الوطني. ليس لمثبِّطات الإنزيم COX-2 الاحتمال نفسه من خطر إحداث نزيف في الجهاز الهضمي مثل بقية الأدوية اللاستيرويدية NSAIDsالمضادة للالتهاب، مثل الأسبرين؛ ولكن ليس جميع المرضى عرضة لخطر الإصابة بمثل هذا النزيف، لذا لا حاجة إلى استخدام الأدوية الجديدة المثبِّطة للإنزيم COX-2 والباهظة الثمن. فيتذكَّر <كامپن> بأنه في وقت من الأوقات كانت نسبة استخدام الأدوية المثبِّطة للإنزيم COX-2  في الولايات المتحدة الأمريكية تقترب من 50 في المئة من وصفات الأدوية اللاستيرويدية المضادة للالتهابNSAIDs، إلاّ أنّ هذه النسبة ظلَّت في كايزر دون 10 في المئة.

تأثير فعّال لأموال الرعاية الصحية(*******)

إضافة إلى تقييم مدى النجاح الذي تحقّقه أساليب العلاج المختلفة في علاج مرض معيَّن، فإنّ الجيل الجديد من الباحثين في مجال مقارنة الفعالية يسعون إلى المقارنة بين تكاليف هذه الأساليب، وإلى طرح السؤال ما إذا كانت التكاليف الإضافية تؤمِّن المزيد من الفعالية. فحتى وقتنا الحاضر كان يحظر تداول هذ السؤال: إذ ظلت إحدى المبادئ الأساسية للطب الأمريكي ولفترة طويلة تقول إنه ليس لاعتبارات التكلفة المالية أيّ دور عند اتخاذ القرارات السريرية. ونتيجة لذلك، لم تكُن أبحاث مقارنة الفعالية تقليديا تأخذ بعين الاعتبار موضوع التكلفة. إذ كانت تقيّم اثنين أو أكثر من أساليب العلاج، وتحدّد مرتبتها من ناحية الفعالية السريرية لا أكثر. إلاّ أنّ الارتفاع الحادّ في تكاليف الرعاية الصحية أدّى إلى زيادة الضغط لانتقاء الأساليب العلاجية ذات التأثير الأكبر نسبة لما ينفق من أموال على الرعاية الصحية.

ولكن خلال السنوات القليلة الماضية غدا تقييم فاعلية التكلفة بؤرة اهتمام متزايد من التحليل. ففي عام 2006 درس الباحثون في إدارة المحاربين القدماء مرضى يعانون شكلا صعب العلاج من أمراض القلب يتّسم بنقص تدفق الدم. وكان بعضهم قد خضع لعملية قسطرة angioplasty، حيث يوسِّع الجرّاح الوعاء الدموي المصاب بالانسداد (عادة بواسطة أداة تشبه البالون)، بينما خضع بعضهم الآخر لعملية استبدال الشرايين التاجية، حيث يتمّ تحويل مرور الدم – ليتجاوز المنطقة المصابة بالانسداد – عبر مجازات (أوعية مزروعة) bypass. وقد وجد الباحثون أن لكلا الإجراءين نتائج باهرة من ناحية معدّل البقاء على قيد الحياة، لمدة ثلاث سنوات بعد العملية، (82% لمَن عولج بالقسطرة، و79% لمَن عُولج باستبدال الشرايين التاجية). إلاّ أنّ التكلفة الإجمالية للقسطرة كانت 900 63 دولار أمريكي مقارنة بـ 400 84 دولار أمريكي لاستبدال الشرايين التاجية. وبعبارة أخرى كانت القسطرة أكثر فعالية بمقدار طفيف، إضافة إلى كونها أقلّ تكلفة. وبعد خمس سنوات من العملية كان 75% من المرضى الذين عولجوا بالقسطرة لا يزالون على قيد الحياة، مقارنة بـ70% من المرضى الذين خضعوا لاستبدال الشرايين التاجية، وبتكاليف مقدارها  000 82 دولار أمريكي و 000 101 دولار أمريكي على الترتيب: مرة أخرى معدل بقاء أفضل مع تكاليف أقلّ.

والطريق نحو اعتماد مثل تلك النتائج لضبط التكاليف فعليا، ليس طريقا مباشرا بالضرورة. فقانون إصلاح الرعاية الصحية لعام 2010 يمنع مِديكير من استخدام أبحاث مقارنة الفعالية لتقرير ما ستدفع تكلفته (مثلا الدواء أڤاستين وليس الدواء لوسينتيس لمعالجة الضمور الشبكي)، وهذا حق مسلَّم به للمشرّعين الذين أرادوا ضمانا لبقاء المرضى والأطباء أحرارا في انتقاء أي علاج يرغبون فيه، وهدّدوا بالتصويت ضد إقرار مشروع القانون في حال عدم وجود ذلك الشرط. ولكنّ مِديكير تستطيع استخدام الأبحاث لتحديد أسعار السداد بطريقة تشجِّع مزوّدي الخدمة على تقديم أفضل رعاية لقاء ثمن ما، وهذا النظام يسمى بـ «تسديد متساو لقاء نتائج متساوية». وإذا استخدمنا مثال ضمور الشبكية، فقد تدفع مِديكير 50 دولارا مقابل كل حقنة، وهذا سوف يعني أنّ المرضى الذين يصرّون على المعالجة بالدواء لوسينتيس، أو الذين يصرّ أطباؤهم على ذلك، يتعين عليهم دفع الفرق وهو 2150 دولارا أمريكيا.

إنّ إجبار الناس على دفع المزيد من أموالهم الشخصية ليس هو الهدف المتوخّى. ولكنه مجرّد وسيلة لتحقيق الهدف، وهو تمكين المرضى من الحصول على أكثر أساليب العلاج فعالية؛ من دون زيادة قيمة فاتورة الرعاية الصحية على مستوى الدولة بسبب دعم أساليب علاج تكلّف أكثر ولا تنجم عنها أي منافع إضافية. يقول <فونگ>: «ونحن ندخل في عهد إصلاح الرعاية الصحية، فإننا ملزمون بالتعاطي مع قضية كيفية تسديد الثمن. وإحدى الإجابات الواضحة عن ذلك هي أنك لا ترغب في الدفع إلاّ مقابل الأشياء التي تؤدّي عملها.» فعندما يحقّق دواءان قدرا متساويا من النجاح، كما وجد <فونگ> في حالة استخدام الدواءين أڤاستين ولوسينتيس لمعالجة الضمور الشبكي المرتبط بالعمر، فلابد أن تكون الحسابات سهلة. ولكن كيف سيكون الأمر عندما تبلغ تكلفة الدواء A عشرين ضِعْفَ تكلفة الدواء B، ولا يؤدّي إلاّ إلى زيادة في المنفعة بمقدار 5% مقاسة على سبيل المثال بالبقاء على قيد الحياة أو بحدّة البصر أو بضبط الأنسولين أو بعدد مرات الإدخال إلى المستشفى؟ ويشير إلى أنه «ينبغي علينا أن نبدأ كمجتمع بالتساؤل عمّا إذا كان ذلك التحسّن الطفيف يستحق الثمن الذي يُدفَع من أجله.» فبالتأكيد سيكون هذا نقاشا مؤلما، سيجبر المجتمع على التشاحُن حول مقدار المبالغ التي نقبل بإنفاقها من أجل تحسّنات حدّية في الصحة.

العوائق المستقبلية(********)

مع أنّ التخلُّص من أساليب العلاج غير الفعالة قد يبدو كأمر سيلقى ترحيب كلّ من المرضى والأطباء والجهات التي تدفع التكاليف، لكن في الواقع، وقعت أبحاث مقارنة الفعالية في مرمى نيران الجدل الدائر حول إصلاح الرعاية الصحية. والتهمة الرئيسية من مجمل التهم: إنّ هذه الأبحاث سوف تُستخدَم «للتبرؤ من الرعاية أو لتقنينها»، كما جاء في تحذير للنائب <M. روجرز> [من ولاية ميتشيگان] في عام 2009. وفي الواقع، فإنّ الأبحاث لا تقارن ما إذا كان المرضى المتباينون يستفيدون من علاج ما كوسيلة لمنع مجموعة ما مِنْ تلقّي العلاج، كما يمكن أن يُستَشف من «التبرؤ من الرعاية أو تقنينها ». فهدف أبحاث مقارنة الفعالية يتمثَّل بالتخلّص من أساليب العلاج الأقلّ فعالية لدى جميع الناس؛ وإحلال بدائل أكثر فعالية مكانها. يقول <S. نيسن> [طبيب أمراض القلب في كليڤلاند كلينك]: «تتعرّض أبحاث مقارنة الفعالية في الوقت الحاضر لهجوم متواصل يدَّعي أنّ الأمر برمّته يسعى إلى تقنين الرعاية الصحية. وهم يحرزون تقدما مع أن هذا ليس هو ما ننادي به. فأبحاث مقارنة الفعالية تسعى إلى تقديم أفضل رعاية، وليس إلى تقنينها.»

ويرى خبراء الصحة أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفرد بمثل هذه الشكوك. إذ يجادل باحثون بريطانيون في مقالة نشروها في مجلة فارماكو-إيكونوميكس (اقتصاديات صيدلانية) Pharmaco-Economics عام 20100 في أن الناس في أي بلد آخر «لا يشكّون في الأدلة بالقدر نفسه الذي يشك فيه المعنيون في الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك نسبة كبيرة من واضعي السياسات العامة». فقد اعتمدت المملكة المتحدة أبحاث مقارنة الفعالية منذ وقت طويل، وأدرجت نتائجها في القرارات المتعلِّقة بما سوف تغطيه الخدمات الصحية الوطنية. وقد أظهرت الدلائل أنّ أبحاث مقارنة الفعالية ليست ترياقا يشفي جميع العلل؛ فتكاليف الرعاية الصحية لا تزال آخذة في الارتفاع في المملكة المتحدة، وإنْ لم تكن بالحدّة التي هي عليها في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكنه من الواضح أنّ استناد قرارات الرعاية الصحية إلى أبحاث مقارنة الفعالية لم يضر البريطانيين، الذين يتمتّعون بالفعل بتوقعات أعمار lifeexpectancy أعلى ممّا يتمتّع به الأمريكيون [انظر الإطار في الصفحة 17].

يقول <نيسن>: «إذا كان هناك بلد في العالم يحتاج إلى أبحاث مقارنة الفعالية، فهو الولايات المتحدة الأمريكية. فمن الممكن القول إنّ الطب في الولايات المتحدة الأمريكية هو الأقل في العالم من حيث فعالية التكلفة. إذ تهدر كمية كبيرة من الأموال، بحيث إننا لو تخلّصنا من هذا الهدر، فسيكون بمقدورنا توفير الرعاية الصحية للجميع.» وستكون معركة عسيرة في بلد يبجِّل حق الأفراد في الاختيار أكثر بكثير من تبجيله للعلم. إلاّ أنّ أبحاث مقارنة الفعالية تبقى أفضل آمالنا لتحسين الرعاية الطبية بشكل عادل من دون خسارة الأموال الطائلة.

 

المؤلفة

  Sharon Begley
<بيگلي> كاتبة تتمتّع بتوضيح معاني المواضيع المعقّدة في العلوم العصبية وعلم الوراثة وعلم النفس والرعاية الصحية. وقد غطَّت الأخبار العلمية في مجلتي نيوزويك و وول ستريت. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_15_b.jpg

  مراجع للاستزادة

 

What Is Comparative Effectiveness Research? Answers to frequently asked questions by the Agency for Healthcare Research and Quality.www.effectivehealthcare.ahrq.gov/index.cfm/what-is-comparative-effectiveness-research1

 

The Triple Aim: Care, Health, and Cost. D. M. Berwick et al. in Health Affairs, Vol. 27, No. 3, pages 759-769; May 2008. http://content.healthhaffairs.org/content/27/3/759.full

 

Money-Driven Medicine. Video documentary produced by Alex Gibney; inspired by Maggie Mahar’s book of the same title. http://moneydrivenmedicine.org

 

(*)THE BEST MEDICINE

(**)DIFFICULT TRUTHS

(***)INTO THE DATA MINE

(****)Are We Getting Our Money’s Worth?
(*****)AND THE BLIND SHALL SEE

(******)GETTING THE STATISTICS RIGHT

(*******)BANG FOR THE HEALTH CARE BUCK

(********)THE OBSTACLES TO COME

(1) هي تجارب توزع بيانات التجربة وفقا لتصميم عشوائي، وفي هذه الحالة يُوزّع ﺍﻟﻤﺭﻀﻰ ﺒﺸﻜل ﻋﺸﻭﺍﺌﻲ randomized ﻋﻠﻰ ﻤﺠﻤﻭﻋﺘﻴﻥ أو أكثر، وتوجد بها مجموعات تحكم control groups لمقارنة النتائج.
(2) Antihypertensive and Lipid-Lowering Treatment to Prevent Heart Attack Trial
(3) deviceKaiser Permanente

(4) angiotensin-converting enzyme

(5) comparative effectiveness research

(6) نظام تأمين طبي فيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية، يضمن حصول المواطنين كبار السن وصغار السن من ذوي الاحتياجات الخاصة على الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها، بغض النظر عن مستوى دخلهم المادي أو تاريخهم الصحي.

(7) The Institute of Medicine

(8) randomized
(9) The Veterans Administration

(10) life expectancy أو مأمول الحياة.

(11) Women’s Health Initiative

(12) prospective, randomized controlled trial دراسة طويلة الأمد تقوم بمتابعة مجموعة من أفراد ذوي صفات مشتركة ومختلفين في عدد من العوامل الأخرى، لتحديد احتمالات تأثيرات هذه العوامل في نتائج معينة. ويشيع استخدام هذا المنهج في دراسة الأمراض، بغية عدم تعريض البشر لعوامل خطرة بهدف البحث والتجربة العلمية.

(13) macular degeneration

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى