أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الأعصاب

الرؤية الاصطناعية من الجيل التالي في مرمى البصر

باحثون يطورون تقنيات لإعادة البصر عن طريق تحفيز شبكية العين أو الدماغ

بقلم: كيلي سيرفيك، شيكاغو، إلينوي

ترجمة: صفاء كنج

في عام 2014، وافق المنظمون الأمريكيون على علاج مستقبلي للعمى يتمثل في جهاز يدعى أرغوس 2 ) (Argus II. يرسل جهاز أرغوس 2 إشارات من كاميرا مثبتة في نظارات إلى شبكة من الأقطاب الكهربائية بطول خمسة مليمترات وعرض ثلاثة مليمترات تقريبًا مزروعة في الجزء الخلفي من العين. ووظيفة هذه الشبكة هي محاكاة الإشارات الصادرة عن الخلايا المستشعِرة للضوء التي فقدها المريض في الحالة الوراثية لالتهاب الشبكية الصباغي retinitis pigmentosa. وتقدر شركة سِكوند سايت Second Sight المصنِّعة للجهاز أن نحو 350 شخصًا في العالم يستخدمونه حالياً. يوفر أرغوس 2 شكلاً من الرؤية الاصطناعية غير النقية أو الخام. إذ يرى مستخدموه بقعًا مشتتة من الضوء تسمى فوسفينات phosphenes. يقول دانييل بالانكر Daniel Palanker، عالم الفيزياء الذي يعمل على الأدوات البصرية المساعدة في جامعة ستانفورد Stanford University  في بالو ألتو بكاليفورنيا: “لم يتخل أي من المرضى عن عصاهم البيضاء أو كلبهم المرشد. … إن ما يوفره الجهاز لا يمثل تحدياً”.

لكنها كانت البداية. يهدف بالانكر وآخرون إلى رفع التحدي بطرق أكثر دقة لتحفيز الخلايا في العين أو الدماغ. في الاجتماع السنوي لجمعية العلوم العصبية Society for Neuroscience في شيكاغو بأكتوبر 2019، تشارك العلماء التقدم المحرز في إطار العديد من هذه الجهود. وتقدم البعض بالفعل إلى إجراء تجارب على البشر- “الاختبار النهائي الحقيقي”، كما يقول بالانكر، “إنها أوقات مثيرة للحماس”.

يسبب العديد من الاضطرابات الشائعة فقدان البصر من خلال تدمير مستقبلات الضوء photoreceptors، وهي الخلايا الأولى ضمن تتابع من المعلومات التي تنتقل من العين إلى المخ. وفي كثير من الأحيان تظل الجهات الفاعلة الأخرى في التتابع سليمة: ما يسمى بالخلايا ثنائية القطب bipolar cells التي تستقبل إشارات المستقبلات الضوئية؛ وخلايا العقدة الشبكية التي تشكل العصب البصري وتحمل تلك الإشارات إلى الدماغ؛ والقشرة البصرية متعددة الطبقات في الجزء الخلفي من الدماغ التي تنظم المعلومات في مشهد مفيد.

ونظراً لأن النقاط المتجاورة في حيز ما تنعكس نقاطاً متجاورة على شبكية العين وفي النهاية تنشِّط النقاط المجاورة لها في منطقة معالجة مبكرة من القشرة البصرية، يمكن تخطيط مشهد على شكل إشارات تتبع نمطاً مكانياً. لكن هذا التخطيط يصبح أكثر تعقيدًا على امتداد سلسلة التتابع، لذلك يهدف بعض الباحثين إلى تنشيط الخلايا أقرب ما يمكن من نقطة البداية.

صمم فريق بالانكر شبكية اصطناعية تحتوي على نحو 400 من الصمامات الضوئية الثنائية photodiodes أو “بِكسل” Pixels التي تحل محل بعض خلايا الشبكية. ويُعرض شريط الفيديو من العالم الخارجي داخل النظارات في ضوء قريب من الأشعة تحت الحمراء حيث تتحول بكسلات الشبكية الاصطناعية المزروعة إلى إشارات كهربائية لتحفيز خلايا شبكية العين ثنائية القطب. وتختبر شركة بيكسيوم فيجن Pixium Vision التي مقرها في باريس الجهاز على خمسة أشخاص يعانون الضمور البقعي macular degeneration الذي يدمر مستقبلات الضوء.

خلال اجتماع عقد في أكتوبر 2019، عرض بالانكر مقاطع فيديو توضح أن المشاركين الذين زرعت فيهم الشبكة الاصطناعية منذ نحو سنة يمكنهم التعرف على أشياء موضوعة على الطاولة وقراءة أحرف مطبوعة أو على الشاشة. إن الرؤية الاصطناعية جيدة بما يكفي لتمكن من قراءة عنوان كتاب، كما يقول بالانكر، ولكن ليس الكلمات على صفحاته. ويعمل فريقه على تصغير حجم الصمامات الضوئية الثنائية- للحصول على وحدات بكسل أدق ورؤية أكثر وضوحًا دون فقدان الكثير من قوة الإشارة.

للدفع باتجاه الحصول على دقة أعلى مما يمكن أن يحققه التحفيز الكهربائي للعين، تتجه فرق أخرى نحو علم البصريات الوراثي optogenetics، وهي تقنية لتنشيط الخلايا باستخدام الضوء. في تجربة إكلينيكية أجرتها شركة جنسايت بايولوجيكس GenSight Biologics ومقرها باريس، حقن الباحثون فيروساً حميداً يحمل جين بروتين حساس للضوء في عيون خمسة أشخاص مصابين بالتهاب الشبكية الصباغي. يمكن لخلايا العقدة الشبكية التي تستقبل الجين أن تستجيب حينها للضوء الأحمر المسقط في العين. يقول خوسيه آلان ساهل José-Alain Sahel، وهو طبيب عيون وطبيب أعصاب يختبر التكنولوجيا في كلية الطب بجامعة بيتسبرغ University of Pittsburgh School of Medicine في بنسلفانيا ومعهد البصريات Vision Institute  في باريس، إن معرفة ما إذا كان المشاركون في التجربة سيحصلون على رؤية مفيدة ستتضح في عام 2020.

لكن العلاجات التي تستهدف خلايا الشبكية لن تساعد من فقدوا قسماً كبيراً من أعينهم بسبب الإصابة أو لديهم أضرار جسيمة في العصب البصري جراء أمراض مثل الغلوكوما glaucoma.

وتهدف سِكوند سايت إلى علاج هؤلاء المرضى بواسطة أوريون Orion، وهي عبارة عن طبقة تحتوي على 60 قطباً كهربائياً تُزرع مباشرة على القشرة البصرية، وترسل إشارات إلى الدماغ من آلة تصوير فيديو محمولة على نظارات. تمكن أربعة من خمسة مرضى مصابين بالعمى تلقوا عمليات زرع منذ نحو سنة من أن يحددوا على نحو أفضل موقع مربع أبيض بحجم قبضة يد تقريبًا على شاشة سوداء. وتمكن الخمسة من التعرف على الاتجاه الذي تحرك فيه شريط أبيض على الشاشة. “إنه أمر دعانا إلى التشجع”، كما يقول جيسي دورن Jessy Dorn، مدير البحث العلمي لدى الشركة في سيلمار بكاليفورنيا.

لكن لزرع الأقطاب الكهربائية على سطح الدماغ سلبيات؛ إذ إن الأمر يحتاج نسبياً إلى تيار قوي لتفعيل الخلايا العصبية المستهدفة في النسيج الموجود تحتها، وتنشيط عدة أقطاب كهربائية في الوقت نفسه يعرض المريض إلى خطر الإصابة بنوبة. ويمكن للأقطاب الكهربائية المتجاورة أن تحفِّز النسيج في ما بينها، فتتسبب بدمج نقطتين بصريتين مختلفتين. ولكن في الاجتماع، قدم متعاونو سِكوند سايت في كلية بايلور للطب Baylor College of Medicine في هيوستن بتكساس دليلاً على أن الأقطاب الكهربائية الـ60 يمكن أن تخلق فوسفينات في أكثر من 60 موقعاً. ولإنتاج فوسفينات إضافية، لجأ العلماء إلى تقنية تعرف باسم تبديل وجهة التيار current steering، تستخدم بالفعل لتعزيز إدراك طبقة الصوت في زراعات قوقعة الأذن.

إن الأقطاب التي تدخل أعمق في القشرة البصرية قد تقترب من الخلايا العصبية المستهدفة وتستخدم تياراً أخف لتنشيط نقاط متعددة في النسيج في وقت واحد بمزيد من الدقة. في شهر أكتوبر 2019 عرض شينغ تشن Xing Chen، عالم الأعصاب في مختبر بيتر رولفسما Pieter Roelfsema’s بالمعهد الهولندي للعلوم العصبية Netherlands Institute for Neuroscience في أمستردام، اختبارات يجريها عبر زرع 1000 من هذه الأقطاب الكهربائية في قردين مبصرين. تمكن القردان من الإشارة إلى حرف من اثنين عكسه الباحثون في “عين دماغهما” من خلال تحفيز مجموعات من 10 إلى 15 قطباً. ويأمل مختبر رولفسما أن يبدأ التجارب على البشر بحلول عام 2023.

ينبه ستيفن ماكنيك Stephen Macknik، عالم الأعصاب في جامعة العلوم الصحية بجامعة ولاية نيويورك State University of New York’s Downstate Health Sciences University  في مدينة نيويورك، من أن الدماغ سينتهي إلى تشكيل ندبة حول الأسلاك المزروعة ويعزلها بما يشبه الجدار عن الخلايا العصبية المستهدفة. ويقول إن غرس أقطاب كهربائية “يقضي على فرصة أي زرع من أي نوع آخر في المستقبل…  وفي أحسن الأحوال لن يرى [المستخدم] الكثير”. وهو يرى أن علم البصريات الوراثي يعد برؤية بصرية أدق بكثير. في الاجتماع، عرض ماكنيك خططاً لتكنولوجيا تُسمى أوبسرف OBServ من شأنها أن تضيف الجين أوبسين opsin الحساس للضوء إلى الخلايا العصبية التي تصل إلى القشرة البصرية من محطة إشارة في قاعدة الدماغ. وأوضح أن هذه الخلايا يمكن تفعيلها عبر توجيه ضوء ساطع من سطح الدماغ.

لن تصل النظم البصرية الوراثية المعدلة للخلايا الواصلة إلى القشرة الدماغية  مثل أوبسرف إلى العيادات قريبا؛. إذ ما زال الباحثون يحتاجون إلى إثبات إمكان أي فيروس أن يُدخل إلى عصبونات معينة بأمان وثقة جين أوبسين الذي سيبقى يعمل هناك لسنوات عدة. وسيحتاجون أيضاً إلى زرع جهاز دقيق جداً، لكن صغير جداً، أسفل الجمجمة يصدر ضوءاً ساطعاً في الدماغ أثناء قراءة النشاط العصبي لمعايرة التحفيز تلقائيا.

لكن من أكبر العوائق التي تحول دون نقل رؤية فائقة الدقة إلى الدماغ، كما يقول عدد كبير من الباحثين، هو أكثر أهمية بكثير: اكتشاف نمط التحفيز الذي سيكون الدماغ قادراً على تفسيره. يقول وليام بوسكنغ William Bosking عالم الأعصاب في كلية بايلور للطب: ” لا نعتقد أنه لمجرد أنك حصلت، على سبيل المثال، على مليون إلكترود أو تحفيز بصري وراثي مكاني مثالي، فإن كل شيء قد حُل”. ويضيف قائلًا: “نحن بحاجة إلى أن نتعلم الكيفية التي نتواصل بها مع قشرة الدماغ”.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى