أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

من سيستفيدُ فعلاً من ثورةِ المدنِ الذكيّة القادمة؟

العنوان الرئيسي: يقول بول ماركس إننا بحاجةٍ إلى ضماناتٍ فيما يتعلقُ بالخصوصيةِ، والأمنِ، والشفافيةِ، أو سيُنظر إلى المدن الذكية على أنها فرصٌ مُموهَةٌ لخدمة عمالقة التكنولوجيا فقط

بقلم: بول ماركس

ترجمة: محمد الرفاعي

هل شعرْتَ يوماً بأن قدرَكَ أن تصير وسيط هدفُه الرئيسي هو أن يُسْتَشْعَرَ إلكترونياً، وأن يولِّدَ البياناتِ التي ستعالجُها آلاتٌ ذكيةٌ لصالحِ شخصٍ آخر؟ إذا لم يكن الأمرُ كذلك، فربما تكون محظوظاً لأن دعايةَ جماعة ضغط المدينة الذكية لم تخدعك.

   لكن، وبوقتٍ ليس بالطويل، ستصلُ هذه الدعايةُ الذروة. إذ إنّ مجموعةً استثماريةً، بدعمٍ من بيل جيتس Bill Gates؛ مؤسِسِ شركةِ مايكروسوفت Microsoft، قد تعهدَتْ بتقديمِ 80 مليون دولار لتُطْلِقَ بِلمونت Belmont، وهي مدينةٌ ذكيةٌ تضمُ 80 ألف منزلٍ بالقرب من فينيكس Phoenix في أريزونا Arizona، والتي يُقَالُ إنها ستعج بمركباتٍ ذاتيةِ القيادةِ، وإنترنتٍ عالي السرعة، ووظائفَ في الصناعاتِ المُتقدمة وخدماتِ التوصيل ذاتية القيادة.

   في كندا عقدَتْ شركةُ ألفابيت Alphabet، المالكةُ لشركةِ غوغل Google، شراكةً مع مدينةِ تورنتو Toronto لتقديمِ المشورةِ حول القسم المقابلِ لبحيرة أونتاريو وتطويرِهِ إلى مديريّةٍ ذكيةٍ ذاتِ تكنولوجيا متطورة. ففي جدة بالمملكة العربية السعودية، كشَفَتْ الحكومةُ عن خطةٍ بقيمة 500 بليون دولار لبناء مدينةٍ كُبرى ذكيةٍ تعملُ بالطاقةِ الشمسيةِ أكبرَ 33 مرةً من نيويورك.

   الفرضيةُ مبنية على ما يلي: يُقال لنا بصورةٍ متزايدةٍ إن ما يتعين علينا فعْلُهُ، إن أردنا معالجة التغيّرِ المُناخي Climate change وتقبُّلَ التمدن واسع المدى، هو العيشُ في مدنٍ ذكيةٍ اصطناعياً ـ مدنٍ طوباويةٍ ممتلئةً بأجهزةِ استشعارٍ مُصَمَمَةٍ لجعلِ معظمِ جوانبِ حياتِنا فائقةَ الفعاليةَ.

   ويُدَّعى أن السببَ هو جعلُ المدنِ أكثرَ استدامةً، وذات خدماتٍ مثل المياهِ، والطاقةِ، والنقلِ، تجدولُها وتشرفُ عليها أجهزةٌ ذات إدراكٍ، وهذه الأجهزةُ تُعلِمُها شبكاتُ 5G اللاسلكيةُ التي ترى وتسمعُ كل شيءٍ.

   جميل ـ إلا حين لا يكون الأمرُ كذلِكَ. فما الدورُ الذي سيؤديه السياسيون في إدارةِ هذه المجتمعاتِ الجديدةِ؟ والعديدُ من هذه الخططِ تعتمدُ اعتماداً كبيراً على تكنولوجيا لم تنضجْ بعد. فعلى سبيلِ المثالِ، ستكونُ السيارةُ ذاتيةُ القيادةِ على طرقِ المملكةِ المتحدةِ بحلول عام 2021، وفقاً للمستشار البريطاني فيليب هاموند Philip Hammond. فهذا تاريخٌ يَشُكُّ فيه العديدُ من خبراءِ الهندسةِ.

مُدُنٌ يمكنُ اختراقُها

لكن المشكلةَ الأكبرَ هي أنّ أمنَ المدنَ الذكيةَ الرقمي يبدو كأمنِ ذلك القاربِ الممتلئ بالثقوبِ الذي يُسَمَى إنترنت الأشياء Internet of things. فالمخاطرُ عميقةٌ، كما يتضحُ من الاختراقاتِ، مثل تلك التي تَعَرَضَتْ لها أوبر Uber وأُبْلِغَ عنها مؤخراً. ففي مدينةٍ ذكيةٍ ستتضاعفُ قواعد البياناتِ الشخصيةِ وكذلكَ فرصُ تَعَطُلِها. ولا تنسَ الشفافيةَ الخوارزميةَ لضمانِ أن أنظمةَ الذكاءِ الاصطناعي Artificial intelligence (اختصاراً: الذكاء الاصطناعي AI) التي تديرُ مدينتك مسؤولةٌ. أما كيف يمكن ضمانُ ذلكَ؛ فهو غيرُ واضحٍ.

      بعد أن عملت مع جماعاتِ ضغطِ المدنِ الذكيةِ لأعوامٍ، أودُ أن أقترحَ أن هذه المشروعاتِ تركزُ في كثيرٍ من الأحيانِ على أشياءَ أخرى غير الخصوصيةِ والشفافيةِ والمساءلةِ. أول شيءٍ من هذا القبيل هو إنشاءُ أسواقٍ للمنتجاتِ: الحواسيب، وأجهزة الاستشعار، والروابط اللاسلكية والخدمات التي تعتمدُ عليها.

   والثاني هو تغذيةُ الأنا Ego. فمنذ فترةٍ طويلةٍ سعى عمالقةُ التجارةُ، بعد أن حققوا النجاحَ في الأعمالِ التجاريةِ، إلى التدخل في حياتِنا المنزلية. ففي منتصف القرن التاسع عشر بإنجلترا، بنى مالك الطاحونة تَيتوس سالت Titus Salt سالتير Saltaire، وهي قريةٌ خاليةٌ من المشروبات الكحولية لإيواءِ عمالِه الذين يَتَّقون الربّ. ففي وقتٍ لاحقٍ من ذلك القرن، بنى قطبُ الصابونِ ويليام ليفر William Lever بلدة بورت سن لايت Port Sunlight بـ ويرال Wirral. ففي عام 1928 حاولَ الصناعي الأمريكي هنري فورد Henry Ford بناء فوردلانديا Fordlandia، وهي بلدةٌ في الغاباتِ المطيرةِ البرازيليةِ يُحْصَلُ منها على المطاطِ لإطاراتِ السياراتِ، لكن هذا المشروعَ فشلَ.

   وبالمثل، عندما يتدخلُ عمالقةُ الشركاتِ الحاليون في الأماكنِ التي نعيشُ فيها، فإن الأمورَ لا تسيرُ على ما يرام دائماً. فقد أثارَ تأمينُ حافلاتِ نقلِ ركابٍ فاخرةٍ وخاصةٍ من مساكنِ الموظفين الباهظةِ الثمنِ في سان فرانسيسكو San Francisco إلى مختبرات ومكاتب آبل Apple، وفيسبوك Facebook، وياهو Yahoo، وجيننتِك Genentech، وغوغل Google في وادي السيليكون Silicon Valley مظاهراتٍ ضد الاستطباقِ Gentrification والاقتصاريّة Exclusivity وصِفَتْ بأنها أقربُ إلى “حربِ الطبقاتِ”.

   قبل أن تصل أيٌّ من الخططِ الكُبرى الموجودة الآن إلى مرحلة التخطيط الفعلية، يجب على شركاتِ التكنولوجيا الكبيرةِ والبلدياتِ التواصلُ أكثر مع الأشخاصِ حتى نتمكنَ من معرفةِ ما يقصدُونه بالذكاءِ ومن سيستفيدُ من هذه الخطط.

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى